وَقَالَ أبو حنيفة بِجَوَازِهِ، لِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الشَّاةِ تَبَعٌ لِلشَّاةِ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ جَازَتِ الْجَهَالَةُ فِيهِ فَلَمَّا جَازَ بَيْعُ ذَلِكَ بِالدَّرَاهِمِ لِكَوْنِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ تَبَعًا وَغَيْرَ مَقْصُودٍ، جَازَ بَيْعُهُ بِاللَّبَنِ.
وَلِأَنَّ اللَّبَنَ لَوْ كَانَ مَقْصُودًا وَكَانَ الثَّمَنُ عَلَيْهِ مُقَسَّطًا لَجَازَ إِفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ بِالْعَقْدِ مُفْرَدًا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ تَبَعًا.
وَلِأَنَّ اللَّبَنَ نَمَاءٌ كَالْحَمْلِ، فَلَمَّا كَانَ الْحَمْلُ تَبَعًا، فَاللَّبَنُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ تَبَعًا، لِأَنَّ الْحَمْلَ كَأَصْلِهِ، وَاللَّبَنُ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ أَصْلِهِ.
وَهَذَا خَطَأٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ مَقْصُودٌ وَيَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ لِلَّبَنِ التَّصْرِيَةَ بَدَلًا فَقَالَ: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ.
فَلَوْلَا أَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الشَّاةَ وَلَبَنَهَا الَّذِي فِي الضَّرْعِ كَمَا يَتَنَاوَلُهُ إِذَا كَانَ مَحْلُوبًا فِي إِنَاءٍ لَأَسْقَطَ عَلَيْهِ السَّلَامُ غُرْمَهُ فِي اسْتِهْلَاكِهِ مَعَ قَضَائِهِ أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدُكُمْ شَاةَ أَخِيهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، ضُرُوعُ مَوَاشِيكُمْ خَزَائِنُ طَعَامِكُمْ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ خَزَانَةَ أَخِيهِ فَيَأْخُذَ مَا فِيهَا.
فَجَعَلَ مَا فِي الضَّرْعِ مِنَ اللَّبَنِ مِثْلَ مَا فِي الْخِزَانَةِ مِنَ الْمَتَاعِ، فَلَمَّا كَانَ مَتَاعُ الْخِزَانَةِ مَقْصُودًا يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَبَنُ الضَّرْعِ مَقْصُودًا يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ.
وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ لَبَنَ الضَّرْعِ مَقْصُودٌ يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ شَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِلَبَنٍ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَاةٍ وَلَبَنٍ مَحْلُوبٍ بِلَبَنٍ، لِأَجْلِ التَّفَاضُلِ، كَمَا قُلْنَا فِي مُدِّ تَمْرٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ. فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ عَلَى كَوْنِهِ تَبَعًا لِجَهَالَةِ قَدْرِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِهِ غَرَرٌ، وَالْغَرَرُ الْيَسِيرُ فِي الْبَيْعِ مُجَوَّزٌ لِلضَّرُورَةِ. وَبِيعُهُ بِاللَّبَنِ رِبًا، وَالرِّبَا الْيَسِيرُ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ مُجَوَّزٍ مَعَ الضَّرُورَةِ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ إِفْرَادُ لَبَنِ الضَّرْعِ بِالْعَقْدِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الثَّمَنِ قِسْطٌ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ مُفْرَدًا اقْتَضَى أَلَّا يَأْخُذَ مِنَ الثَّمَنِ قِسْطًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute