وَالثَّانِيَةُ: فِي أَكْلِ مَا مَسَّتِ النَّارُ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَعَطَفَ بِالْجَوَابِ عَلَيْهِمَا وَنَحْنُ نُفْرِدُهُمَا لِاخْتِلَافِ الْكَلَامِ فِيهِمَا:
أَمَّا الْقَهْقَهَةُ وَالضَّحِكُ فَقَدْ يَتَنَوَّعُ الضَّحِكُ نَوْعَيْنِ: تَبَسُّمٌ وَقَهْقَهَةٌ، فَأَمَّا التَّبَسُّمُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ إِجْمَاعًا، وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يَنْتَقِضِ الْوُضُوءُ إِجْمَاعًا وَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتِ الصَّلَاةُ وَاخْتَلَفُوا فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِهَا. فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أبو حنيفة: الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ أَقْبَلَ رجلٌ ضريرٌ فَوَقَعَ فِي حُفْرَةٍ فَضَحِكْنَا مِنْهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْوُضُوءِ وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا. وَرَوَاهُ أبو حنيفة عن منصور بن زاذان عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، وَبِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدِ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَنَسٍ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَقَعُ تَارَةً بِاخْتِيَارِهِ وَتَارَةً بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَانَ حَدَثًا كَالْبَوْلِ وَالرِّيحِ. قَالُوا: وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ عِبَادَةٌ وَرَدَتْ مِنَ الْأَكْثَرِ إِلَى الْأَقَلِّ فِي حَالِ الْعُذْرِ فَجَازَ أَنْ تُبْطِلَهَا الْقَهْقَهَةُ كَالصَّلَاةِ، وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute