للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منك لأن بيعة أخينا فى أعناقنا وهؤلاء الأمراء الحاضرون يعلمون ذلك، وإننا لفى طاعته بوصيّة أبينا. فكذّبهما، وأمر غلمانه يقتلونهم، الثلاثة.

وكان فى القصر ألف سيف مجرّدة، فشوهد أمر قبيح لم ير أشنع منه لما جرى فيه من البغى الّذى ينكره الله تعالى وجميع الخلق.

وقال لزمام القصر: أين ابن مولانا؟ فقال: حاضر. قال: فدلّنى إلى مكانه. فدخل بنفسه إليه، وكان عند جدّته لأمّه، فحمله على كتفه وأخرجه للنّاس قبل أن يرفع القتلى، وبويع بالخلافة، ولقّب بالفائز بنصر الله (١)؛ وعمره يومئذ خمس سنين وعشرون يوما؛ وصار يشاهد القتلى فحصل له فزع واضطراب، وما زال مدّة خلافته لم يطب له عيش لأنه كان يصرع كلّ قليل (٢).


(١) يقول النويرى: «ووقف فى القاعة وأمر أن تدخل الأمراء، فدخلوا. فقال هذا ولد مولاكم وقد قتل أبوه وعماه كما ترون والواجب الطاعة لهذا الطفل. فقالوا بأجمعهم؛ سمعنا وأطعنا، وصاحوا صيحة عظيمة زل منها عقل الصبى واختل». ويتفق أبو المحاسن مع النويرى فى هذه العبارات ويعزوها إلى الحافظ أبى عبد الله الذهبى فى كتاب تاريخ الإسلام. نهاية الأرب: ٢٨، النجوم الزاهرة: ٣٠٨:٥. ويقول ابن خلكان: وصاحوا صيحة واحدة اضطرب منها الطفل وبال على كتف عباس. وفيات الأعيان: ٣٩٥:١. ويروى أبو المحاسن عن سبط ابن الجوزى أن عباسا قتل أخوى الظافر وابن أخيه صبرا بين يديه، ثم أحضر أعيان الدولة وقال: إن الظافر ركب البارحة فى مركب فغرق. ثم أخرج عيسى ولد الظافر. النجوم الزاهرة: ٢٨٩:٥ ولم أر هذه الرواية فى غيره.
(٢) ويذكر أبو شامة، نقلا عن أسامة بن منقذ: فما راعنا إلا قوم قد خرجوا من المجلس مجتمعين إلى القاعة فإذا السيوف تختلف على إنسان هو أبو الأمانة جبريل قد قتلوه وواحد قد شق بطنه يجذب مصارينه، ثم خرج عباس وهو آخذ برأس الأمير يوسف تحت إبطه وفى رأسه ضربة سيف والدم يفور منها، وأبو البقاء ابن أخيه مع ابنه نصر. ثم أدخلوهما خزانة فى القصر فقتلوهما وفى الخزانة ألف سيف مجرد. قال: وكان ذلك من أشد الأيام التى جرت على لأنى رأيت من الفساد والبغى ما ينكره الله سبحانه وجميع خلقه. انظر كتاب الروضتين: ٢٤٥:١؛ كتاب الاعتبار: ١٦. وأمام هذا الموضع بالأصل طيارة نصها: «بخط المصنف فى نصف ورقة ملفوفة بهذا المحل: - لما فعل عباس بأولاد الحافظ ما فعل حنقت عليه قلوب الناس وأضمروا العداوة والبغضاء. وكاتب من فى القصر من بنات الحافظ فارس المسلمين أبا الغارات طلائع بن رزيك يستصرخون به، فحشد وخرج من البهنسا يريد القاهرة. وبلغ ذلك عباسا، فخرج يوم الخامس عشر من صفر وجعل ابنه ناصر الدين نصرا على القاهرة، فلما خرج قام عليه الجند وغلقوا أبواب القاهرة ووقع القتال فى الشوارع، فأسرع الناس وفتحوا أبواب القاهرة. فلما جاءهم واستدناهم انهزموا، فلما تحقق عداوة الجند والأمراء علم أنه لا مقام له بينهم وعزم على قصد الشام واللحاق بنور الدين الشهيد ليستنجده. هذا والرسل تتردد بين القصر وبين طلائع وهو يستميل الأمراء إليه ويبعث إليهم. فلما بلغ ذلك عباسا استحلف الأمراء أنهم لا يخونونه ولا يخامرون عليه، وأحضر مقدمى العرب من رؤساء رزيق وحزام وسنبس وطلحة ولواتة وحلفهم بالمصحف وبالطلاق على مثل ذلك. واهتم بأمر سفره بخيله وجماله، وكان له مائتا حصان وحجرة مجنوبة على أيدى الرحالة كعادة الوزراء بمصر ومائتا بغل للرحلة وأربعمائة جمل لحمل أثقاله، يريد أن يخرج فى يوم السبت خامس عشر ربيع الأول يطالع أخباره، فما راعه بكرة الجمعة رابع عشره إلا والناس قد لبسوا السلاح وزحفوا إلى داره ورءوسهم -