القتلى سبعة عشر ألفا. فعاد عبّاس وقد قوى ومعه رأس ابن مصال إلى القاهرة، فطيف بها على قناة القاهرة ومصر يوم الخميس ثالث عشرى ذى القعدة، وحمل أهله وولده إلى القصر وأخليت لهم قاعة؛ وخلع على ابن السّلار.
وكان ابن مصال من أهل برقة. وخدم أوّلا فى البيزرة والصّيد هو وأبوه، فتقدّم فى الخدم حتى نال الوزارة. واتفق أنه مرّ فى وزارته مرّة فقالت له امرأة كانت تعرفه فى حال فقره: سليم وزرت؟ فقال لها: نعم. قالت: والله ما وزرت وبقى أحد. فضحك وأمر لها بصلة.
وكان العادل ابن السّلار منذ استقرّ فى الوزارة أخذ ينظر فى أمر الأجناد المعروفين بالنهضة والعزم وزاد فى أرزاقهم، وتفقد خزائن السلاح، وحفظ النّواميس، وشدّ من مذهب أهل السّنة، فقدم عليه الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السّلفى (١)، فأكرمه وبنى له مدرسة بالإسكندرية.
وقدم عليه مؤيّد الدولة أسامة بن مرشد بن علىّ بن منقذ، فأكرمه. إلا أنه كان يستوحش من الظّافر وخائفا على نفسه فأخبر بأن ينتدب رجالا يمشون فى ركابه بالزّرد والخوذ نحو السّتمائة ويجعلهم نوبتين بزمامين فى كلّ يوم نوبة؛ وأوهم أن الخليفة خبأ له قوما يغتالونه بالقصر. فنقل جلوس الخليفة من القاعة التى يدخل إليها من الدّهاليز المظلمة إلى الإيوان فى البراح والسّعة. فكان إذا دخل إلى الخليفة يدخل ومعه أولئك الذين انتدبهم كلّهم، فيجلس الخليفة فى الشباك بالإيوان ويجلس هو من خارجه.
ومع هذا يبالغ فى الخدمة ويظهر الطّاعة، ولا يخلّ بها فى قول ولا فعل.
وكان للخليفة غلمان نحو الخمسمائة رجل يقال لهم صبيان الخاصّ وفيهم
(١) شيخ الإسلام أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهانى؛ تنقل بين أصبهان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة وغيرها متعلما ومعلما ومحدثا، واستغرقت رحلاته العلمية بضع عشرة سنة استقر بعدها فى الإسكندرية سنة إحدى عشرة وخمسمائة، ولم يخرج منها إلا إلى القاهرة لسماع الحديث؛ ويقال إنه أقام بها خمسة وستين عاما. وسلفة بكسر السين وفتح اللام والفاء: لفظ أعجمى بمعنى غليظ الشفة، وقيل بمعنى ذى الثلاث شفاه لأن شفة جده كانت مشقوقة فصارت مثل شفتين غير الأخرى الأصلية. وفيات الأعيان: ٣١:١ - ٣٢؛ تذكرة الحفاظ: ٩٠:٤؛ كتاب الروضتين: ٢٢٧:١؛ طبقات الشافعية للسبكى: ٤٣:٤ - ٤٨.