للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا مولانا، الأفضل لا يجرى مجرى أمير المؤمنين. وحمل إليه من الثياب الفاخرة برسم جهاته ما له قيمة جليلة (١).

وفى شوّال بلغ المأمون أن جزيرة قويسنا ومنية زفتى ليس فيهما جامع، فتقدّم إلى بعض خواصّه وخلع عليه، فسار وبنى جامعا على شاطئ النيل بمنية زفتى، وقرّر فيه خطيبا وإماما ومؤذنين، وفرش، وأطلق برسمه نظير ما للجوامع.

وفيه وصل الفقيه أبو بكر محمّد بن محمد الفهرى الطرطوشى (٢) من الإسكندرية بالكتاب الذى حمله: «سراج الملوك»، فأكرمه وأمر بإنزاله فى المجلس المهيّأ للإخوة، وتقدّم برفع أدوية (٣) الكتّاب وأوطئة الحسّاب وسلام الأمراء، وعمل السّماط، وسارع إلى البادهنج (٤)، واستدعى بالفقيه. فلمّا شاهده وقف، ونزل عن المرتبة، وجلس بين يديه؛ ثم انصرف، ومعه أخو المأمون، إلى مكان أعدّ له، وحمل إليه ما يحتاج له وأمر مشارف الجوالى (٥) أن يحمل له فى كل يوم خمسة دنانير بمقتضى توقيع مقتضب، فامتنع الفقيه وأبى أن يقبل غير الدينارين اللذين كانا له فى الأيام الأفضلية. وصار المأمون يستدعيه فى يومى راحته، ويبالغ فى كرامته، ويقضى شفاعاته.

وكان السبب فى حضوره أنه تكلّم فى الأيام الأفضليّة فى أمور المواريث وما يأخذه أمناء الحكم من أموال الأيتام، وهو ربع العشر، وأمر توريث الابنة النصف،


(١) بهامش الأصل: بياض ثلث صفحة.
(٢) هو أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب القرشى الفهرى الأندلسى الطرطوشى الفقيه المالكى المعروف بابن أبى رندقة. ولد بمدينة طرطوشة بالأندلس سنة ٤٥١ ورحل إلى المشرق سنة ٤٧٦، وحج، ودخل بغداد والبصرة، وسكن الشام مدة ودرس بها، وانتقل إلى مصر وأقام بالقاهرة ثم بالإسكندرية وبها توفى سنة ٥٢٠. وطرطوشة، بضم الطاءين، على ساحل البحر شرقى الأندلس، ورندقة بفتح الراء وسكون النون وفتح الدال المهملة كلمة فرنجية - كما يقول ابن خلكان - وله من المؤلفات سراج الملوك - المذكور فى المتن - وسراج الهدى، وكتاب بر الوالدين، وكتاب الفتن. وفيات الأعيان: ٤٧٩:١ - ٤٨٠.
(٣) لعلها جمع دواة.
(٤) البادهنج منفذ للتهوية فى البيوت، وتسمى الفتحة فى المنبر أيضا بادهنج والجمع بادهنجات. السلوك: ٢٢٢:٢.
(٥) الجوالى من الأموال المشروعة، وهى ما يؤخذ من أهل الذمة عن الجزية المقررة فى كل سنة. يقول ابن مماتى: وكانت الجزية على ثلاث طبقات: عليا، أربعة دنانير وسدس كل سنة، ووسطى، ديناران وقيراطان، وسفلى، دينار واحد وثلث وربع وحبتان من دينار. صبح الأعشى ٣؛ ٤٥٨؛ قوانين الدواوين: ٣١٧ - ٣١٩.