للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت العادة جارية من الأيام الأفضليّة فى آخر جمادى الآخرة من كل سنة أن تغلق جميع قاعات الخمّارين بالقاهرة ومصر وتختم، ويحذّر من بيع الخمر؛ فرأى الوزير أن يكون ذلك فى سائر الأعمال، فكتب إلى ولاة الأعمال وأن ينادى بأن من تعرّض لبيع شيء من هذين الصّنفين (١) أو لشرائهما سرا وجهرا فقد عرّض نفسه لتلافها وبرئت الذمّة من هلاكها.

لما كان مستهلّ رجب عملت الأسمطة على العادة، فقال الخليفة الآمر لوزيره المأمون:

قد أعدت لدولتى بهجتها، وقد أخذت الأيّام نصيبها من ذلك، وبقيت الليالى وقد كان بها مواسم وقد زال حكمها؛ وهى ليالى الوقود الأربع (٢). فامتثل الأمر، وعملت.

واستجدّ فى كل ليلة على الاستمرار برسم الخاصّين الآمرى والمأمونى قنطار سكر ومثقالا مسك وديناران برسم المؤن ليعمل خشكنان (٣)، وتشدّ فى قعاب وسلال صفصاف، وكان يسمى بالقعبة، ويحمل ثلثا ذلك إلى القصر والثلث إلى دار المأمون.

ووصلت كسوة الشتاء، فكانت أربعة آلاف قطعة وثلاثمائة وخمس قطع. ووصلت


(١) هكذا فى الأصل. ولم يسبق ذكر لأى شيء يمكن الإشارة إليه بهذين الصنفين، وإنما هو منع بيع الخمر فى سائر الأعمال. وفى المواعظ والاعتبار: ٤٩١:١ «وأن ينادى بأنه من تعرض لبيع شيء من المسكرات أو لشرائها سرا أو جهرا .. »
(٢) وهى ليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان وليلة نصفه. وكانت تقام فيها احتفالات عظيمة، ويركب فيها الخليفة فى موكب خاص. ومن مظاهر الاحتفال بليلة أول رجب - مثلا - أن الخليفة كان يجلس فى منظرة عالية - عند باب الزمرد من أبواب القصر وبين يديه شمع يوقد فى العلو زنة الواحدة سدس قنطار. ويركب القاضى من داره بعد صلاة المغرب وبين يديه الشمع المحمول إليه من خزانة الخليفة، موقودا، من كل جانب ثلاثون شمعة، وبين الصفين مؤذنو الجوامع يعلنون بذكر الله تعالى ويدعون للخليفة والوزير، بترتيب مقرر محفوظ. ويحيط به ثلاثة من نواب الباب، وعشرة من حجاب الخليفة، وحجاب الحكم المستقرون وهم خمسة أمراء، والشهود وراءه على ترتيب جلوسهم بمجلس الحكم وحول كل منهم ثلاث شمعات أو شمعتان أو شمعة واحدة. وعند باب الزمرد يجلسون فى رحبة تحت المنظرة فتفتح إحدى طاقاتها فيظهر منها رأس الخليفة ووجهه وحوله الأستاذون المحنكون وغيرهم، ويفتح أستاذ طاقة أخرى يخرج منها رأسه ويده اليمنى ويشير بكمه قائلا: «أمير المؤمنين يرد عليكم السّلام» … ثم يتقدم خطيب الجامع الأنور فيخطب كما يخطب فوق المنبر وينبه على فضيلة ذلك الشهر وأن ذلك الركوب علامته، ثم يختم كلمته بالدعاء للخليفة … ثم يتحرك الموكب إلى دار الوزير، ومعه والى القاهرة، ثم إلى الجامع الطولونى ويخرج منه ووالى مصر فى خدمته، ثم إلى الجامع العتيق وهناك يوقد التنور الفضة الذى بالجامع وفيه نحو ألف وخمسمائة براقة وبأسفله نحو مائة قنديل. ثم يخرج القاضى إلى منزله. صبح الأعشى: ٤٩٧:٣ - ٤٩٨؛ المواعظ والاعتبار: ٤٦٥:١ - ٤٦٧، ٤٩١.
(٣) نوع من الحلوى يصنع من الرقاق على شكل حلقة مجوفة يملأ وسطها باللوز أو بالفستق، يقول القلقشندى: ويعرف فى مصر بالخشتنان. صبح الأعشى: ٥١٠:٣.