للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت محاسنه كثيرة. وهو أوّل من أفرد مال المواريث ومنع من أخذ شيء من التركات على العادة القديمة، وأمر بحفظها لأربابها، فإذا حضر من يطلبها وطالعه القاضى بثبوت استحقاقه أمره فى الحال بإطلاق ما ثبت له. واجتمع بمودع الحكم من مال المواريث التى تنتظر وصول مستحقّها من شرق الدّنيا وغربها مائة ألف وثلاثون ألف دينار، فرفع إليه قاضى القضاة ثقة الملك أبو الفتح مسلم بن على الرأس عينى (١) لما ولى أن «قد اعتبرت ما فى مودع الحكم من مال المواريث فكان مائة ألف دينار، ورفعها إلى بيت المال أولى من تركها فى المودع، فإن لها السّيرة الطويلة لم يطلب شيء منها». فوقّع رقعته: «إنما قلّدناك الحكم ولا رأى لنا فيما لا نستحقّه، فاتركه على حاله لمستحقّيه ولا تراجع فيه». فأخذها هذا القاضى غرفا.

وبلغ ارتفاع خراج مصر فى أيامه لسنة خمسة آلاف ألف دينار، ومتحصّل الأهراء (٢) ألف ألف إردب. وبنى فى أيّامه من المساجد والجوامع جامع الفيلة (٣) بالجرف المعروف بالرّصد والمسجد المعروف بالجيوشى على سطح الجبل. وبنى مئذنة جامع عمرو بمصر الكبيرة والمئذنة السعيدة به أيضا والمئذنة المستجدة وجامع الجيزة (٤). وعمل خيمة الفرح التى سمّيت بالقاتول (٥)، اشتملت على ألف ألف وأربعمائة ألف ذراع من الثياب، وقائم ارتفاع


(١) وسيرد أيضا برسم الرسعنى، وقد ورد كذلك فى نهاية الأرب، وهو منسوب إلى مدينة رأس العين من المدن الكبيرة بإقليم الجزيرة، ببلاد ما بين النهرين، بين حران ونصيبين ودنيسر على مسافة خمسة عشر فرسخا من نصيبين، تجتمع بها عدة عيون لتكون منبع نهر الخابور. معجم البلدان: ٢٠٥:٤ - ٢٠٧.
(٢) الأهراء مخازن يحمل إليها ما ورد من الغلات السلطانية، وكانت ترد من منفلوط والحبس الجيوشى، وينفق منها ما يوقع به عليها من أمور الدولة ومن المرتبات. قوانين الدواوين: ٣٥٠.
(٣) جامع الفيلة. كان يطل على بركة الحبش، ولم يكمله الأفضل فى وزارته وكان قد بدأ بناءه سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فأكمله المأمون البطائحى وأمر أن يحضر جميع وجوه الدولة والرؤساء فى أول جمعة فحضروا. وقيل له جامع الفيلة لأنه كان فى قبلته تسع قباب فى أعلاه ذات قناطر إذا رآها الإنسان من بعيد شبهها بمدر عين على فيلة. نهاية الأرب: ٢٨؛ المواعظ والاعتبار: ٢٨٩:٢ - ٢٩٠. وهناك مسجد آخر يعرف بمسجد الرصد بناه الأفضل أيضا بالرصد بعد بنائه جامع الفيلة لرصد الكواكب بالآلة التى كان يطلق عليها ذات الحلق. ويعده المقريزى من مساجد القرافة. المواعظ والاعتبار: ٤٤٥:٢.
(٤) فى المواعظ والاعتبار حديث عن جامع الجيزة الذى بنى سنة ٣٥٠ زمن على بن عبد الله بن الإخشيذ، ولا ذكر لدور الأفضل فيه. المواعظ والاعتبار: ٣٢٠:٢.
(٥) وسميت بالقاتول لأنها كانت إذا نصبت يموت تحتها من الفراشين رجل أو رجلان، وطول عمودها سبعون ذراعا بأعلاه سفرة فضة تسع راوية ماء، وسعة هذه الخيمة ما يزيد على فدانين فى التدوير. يقول القلقشندى: ولعمرى إن هذه لأثرة -