للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم انتقل بتلطّفه وكثرة مداخلته إلى خدمة السيدة أم المستنصر، فتقرّب بخدمتها، ولازم بابها عند ما صرف عن الحكم بفلسطين يسأل عوده إلى وطنه وخدمته فيها؛ وهو مع ذلك يواصل الوزير الفلاحى ويؤانسه، فيبدأه بما فى نفسه من أبى سعيد التسترى، فيفاوضه فى التّدبير على المذكور، ويفتح له من العمل عليه ما يظهر له صوابه. فثقل مكانه على أبى منذر لقربه من أمّ المستنصر ولمما لأنه الوزير الفلاحىّ؛ وهمّ به، ثم تراخى عنه، حتى كان من أمره ما كان؛ وأمر اليازورى فى كل يوم يتزايد وحاله يقوى. إلا أن قاضى القضاة وداعى الدعاة قاسم بن تاميلا كان يمتنع من ردّ الحكم إليه ببلده، لما يعلم من سوء رأى أبى سعيد فيه، وأنه يريد القبض عليه؛ فكان ينحرف عنه ولا يلتفت إليه.

واتّفق أن حضر قاضى القضاة ذات يوم بباب البحر من القصر، على عادته فى كل يوم اثنين، لتقبيل الأرض والسلام أو خروج السّلام عليه، ويجلس معه من الشهود من جرى رسمه بذلك. فلمّا جلس بباب البحر وخليفتاه القضاعى وابن أبى زكرى والشّهود دخل أبو محمّد اليازورى وجلس معهم؛ فقال له قاضى القضاة: بأمر من جلست ههنا! أتظنّ أنّ المجالس كلّها مبذولة لكلّ أحد أن يجلس فيها؟ هذا مجلس لا يجلس فيه إلا من أذنت له حضرة الإمامة وشرّفته به؛ اخرج، فو الله لا تصرّفت على أيامى أبدا. فخرج ورجلاه لا تكادان تحملانه، فوقف بباب البحر إلى أن خرج قاضى القضاة، فسار وخليفتاه والشهود معه، فسار فى أعقابهم، وسبقهم ووقف بباب دار القاضى؛ فلما نزل صنع له استعطافا، فلم يعره طرفه وانصرف. فلقيه القضاعى وقال: يا أبا محمد، كان يجب ألاّ تريه وجهك عقب ما جرى لك معه. وفارقه. فلقيه ابن أبى زكرى وخاطبه بجفاء. فردّ إلى داره مغموما، فوجد ثلاثين حملا من تفاح قد وصلت إليه من ضياعه لتباع بمصر، فأنفذ منها خمسة أحمال إلى الوزير، ولقاضى القضاة خمسة أحمال، وللقائد الأجلّ عدّة الدولة رفق خمسة أحمال، ولمعزّ الدولة معضاد خمسة أحمال، ولابن أبى زكريّا ثلاثة أحمال، وللقضاعى