وأوقفوا عليه الوالى والعسكر، فسلّم إليهم أبو الغول ورفيقه. فلما وصلا إلى حسّان ركب لوقته وخشّب سبعين رجلا من العسكرية، وقتل طائفة من الحمدانية وغيرهم، ووضع السّيف والنّهب فى الرملة، وأضرم النار فى الدور والحوانيت حتى جعلها دكّا، وسبى النساء والأولاد، وقبض على نحرير الوحيدى وأخذ منه أربعين ألف دينار. وأخذ من مبارك الدولة فتح، المقيم بالقدس، ثلاثين ألف دينار، وأخذ جميع ما جمع الدّزبرى.
وأرجف بمصر أن خمسمائة فارس بعثها حسّان إلى العريش، ثم لم يعلم أين قصدت، فخاف الناس أن يطرقهم فى القرافة، فانتقل أهل القرافة إلى مصر، وانتقل جماعة من بلبيس إلى مصر. فسار بديع الصقلبى فى الرسالة إلى حسّان. وتحرّك السعر بمصر، واضطربت العامة. وندب مائة فارس من القيصرية للإقامة بالقرافة لحفظ الناس، فإن الخوف اشتدّ حتى لم يطلع أحد إلى القرافة، وتحمّلوا منها، فمنعوا من النّقلة وأعيدوا إليها.
وجرت الأمور فى هذه الشهور المباركة على ما كان الرسم جرى به من عمارة المساجد والجوامع وتكثير القناديل والزيت وكثرة الوقيد. وقد دخل الشريف العجمى إلى الظاهر، فأظهر أنه يراعى أمر الدولة ويتخوف ما يجرى من الفساد، فأمر الظاهر بأن يجتمع مع الشيخ نجيب الدولة أبى القاسم الجرجرائى والشيخ العميد محسن بن بدواس، صاحب بيت المال، وأن يدبّر الأمور بما يراه. فاستدعى المذكورين وقال لابن بدواس: احمل المال الذى عندك لينفق فى الرجال. قال: ما عندى إلاّ يسير، و والله لو طلبتم منى دينارا واحدا ما مكّنتكم منه لأنه موفور لخواص مهمّات مولانا صلوات الله عليه. فقال الشريف:
فتفترض من التجار وتصادر من تجب مصادرته، فقال الجرجرائى: وأىّ مال مع التجار وتجار مصر هلكى من الغلاء؛ لكن إن أردتم المال فمن أمّ الحاكم بأمر الله، قدّس الله روحه، وعمته؛ وبالجملة فقد أغنى الله مولانا، صلوات الله عليه، بتوافر أمواله وتراث آبائه الأئمة الطاهرين عمّا نراه نحن أو نقوله بآرائنا. فأمسك الشريف عن غير رضا.