للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها مات الوزير يعقوب بن كلّس (١) يوم الخامس من ذى الحجة، فكفّن فى خمسين ثوبا ما بين وشى، ومثقل (٢)، وشرب دبيقى مذهّب، وجفت كافور، وقارورتين من مسك، وخمسين منّا ماء ورد، وصلى عليه العزيز، فكان ما كفن به وحنّط به عشرة آلاف دينار.


(١) أورد (ابن القلانسى: ذيل تاريخ دمشق، ص ٣٢) ترجمة وافية ليعقوب بن كلس، نجملها فيما يلى تبيانا لمكانة هذا الوزير وللدور الخطير الذى لعبه، قال «وكان الوزير ابن كلس يهوديا من أهل بغداد خبيثا ذا مكر وحيلة ودهاء وذكاء وفطنة وكان فى قديم أمره خرج الى الشام فنزل بالرملة فجلس وكيلا للتجار، فلما اجتمعت الاموال التى للتجار كسرها وهرب الى مصر فى أيام كافور الإخشيدي صاحب مصر؛ فتاجره وحمل اليه متاعا كثيرا؛ ويحال بماله على ضياع مصر، وكان اذا دخل ضيعة عرف غلتها وارتفاعها وظاهر أمرها وباطنها، وكان ماهرا فى اشغاله لا يسأل عن شيء من أمورها الا أخبر به عن صحة، فكبرت حاله، وخبر كافور بخبره وما فيه من الفطنة والسياسة، فقال: «لو كان هذا مسلما لصلح أن يكون وزيرا»؛ فبلغه ما قال كافور، فطمع فى الوزارة؛ فدخل جامع مصر فى يوم الجمعة، وقال: «أنا أسلم على يد كافور»، فبلغ الوزير ابن حنزابة - وزير كافور - ما هو وما طمع فيه، فقصده، وخاف منه، فهرب الى المغرب؛ وقصد يهودا كانوا هناك مع أبى تميم المعز لدين الله - أصحاب أمره - فصارت له عندهم حرمة، فلم يزل معهم الى ان أخذ المعز مصر؛ فسار معه اليها.
فلما توفى المعز وأصحابه اليهود، وولى العزيز بالله استوزره فى سنة ٣٦٥، وكان هذا الوزير أبو الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس كبير الهمة قوى النفس والمنة؛ عظيم الهيبة، فاستولى على أمر العزيز، وقام به، واستصحه؛ فعول عليه وفوض أمره اليه، وكانت أموره مستقيمة بتدبيره فلما اعتل علة الوفاة ركب اليه العزيز عائدا، فشاهده على حال اليأس، فغمه أمره وقال له: «وددت بأنك تباع فأبتاعك بملكى؛ أو تفتدى وافديك بولدى، فهل من حاجة توصى بها يا يعقوب؟» فبكى وقبل يده وتركها على عينه، وقال:
- «أما ما يخصنى يا أمير المؤمنين فلا، لأنك أرعى بحقى من أن أسترعيك اياه، وأرأف على من أخلفه من أن أوصيك به، لكنى أنصح لك فيما يتعلق بدولتك»
قال: «قل يا يعقوب، فقولك مسموع؛ ورأيك مقبول».
قال: «سالم يا أمير المؤمنين الروم ما سالموك، واقنع من الحمدانية بالدعوة والسكة ولا تبق على المفرج بن دغفل بن الجراح متى عرضت لك فيه فرصة».
وتوفى فى ذى الحجة سنة ٣٨٠، فأمر العزيز أن يدفن فى داره بالقاهرة فى قبة كان بناها لنفسه، وحضر جنازته وصلى عليه وألحده بيده فى قبره، وانصرف عنه حزينا بفقده؛ وأغلق الدواوين، وعطل الأعمال أياما، واستوزر أبا عبد الله الموصلى بعده مديدة؛ ثم صرفه، وقلد عيسى ابن نسطوروس وكان نصرانيا من أقباط مصر .. الخ» انظر كذلك: (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، ج ٤؛ ص ١٥٨).
(٢) المثقل من الثياب ما كان منسوجا بالذهب.