وكان معهم بضع وعشرون رجلا من القرامطة على الإبل، فلما فرغوا من التطواف، ردوا إلى القصر، فعدل بأبى الهيجا وابنه وبقية القرامطة إلى الاعتقال، وسيق ابن النابلسى إلى المنظر ليسلخ، فلما علم بذلك رمى بنفسه على حجارة ليموت، فردّ على الجمل، فعاد ورمى نفسه ثانيا، فردّ وشدّ وأسرع به إلى المنظر، فسلخ وحشى جلده تبنا، ونصبت جثته وجلده على الخشب عند المنظر.
وأقام أبو محمود بدمشق وهى مضطربة قد كثر فيها الغوغاء وحمّال السلاح، وعظم النهب فى القرى، وأخذت القوافل، فلم يقدر أبو محمود على ضبط أصحابه لقلة ماله، فلم يكونوا يفكرون فيه ولا يرجعون عن شيء ينهاهم عنه، وأخذوا فى النهب، وظالم بن موهوب يأخذ أموال السلطان من البلد ولا يدفع إلى أبى محمود شيئا منها، ويحتج أنه أخذ البلد من أبى الهيجاء وسار إليه بمكاتبة المعزّ له.
هذا وكلّ من الفريقين يخاف الآخر، وقد علم ظالم أن أهل دمشق تكره المغاربة، فكان يدارى الأمر، وكثر قطع المغاربة للطريق، فامتنع الناس من الذهاب والمجئ، وهرب أهل القرى إلى المدينة، وأوحش ظاهر البلد، فوقع بين المغاربة وبين أهل البلد الحرب [أياما] كثيرة، قام فيها ظالم مع أهل البلد وقاتل المغاربة، فانهزم وسار إلى بعلبك، ووقع الحريق فى البلد، واشتدّ القتال، فخرج وجوه أهل البلد إلى أبى محمود ولطفوا به، فقال لهم:
«ما نزلت لقتالكم، وإنما نزلت لأرد هؤلاء الكلاب عنكم» - يعنى أصحابه -.
ففرح الناس واستبشروا وجاءوا إلى خيمته، واختلطت الرعية بأصحابه، وزال عنهم الخوف، ودخل المغاربة فيما يحتاجون إليه، فولى أبو محمود الشرطة لرجلين: أحدهما مغربى، والآخر من الإخشيدية، فدخلا فى جمع عظيم إلى المدينة بالزمر، فجلسوا فى الشرطة، وكان يطوف لهم طوف فى الليل، ومع ذلك فلم ينكسر حمّال السلاح ممن يطلب الفتنة، فرهب أبو محمود على مشايخ البلد وتهددهم، فثار أهل الشر من الدماشقة، ورأس الشطّار فيهم ابن الماورد بسبب منازعة أهل البلد مع مغربى بسبب صبى، فأراد المغربى أخذه، فرفع البلدى السيف وقتل المغربى فى السوق، فعادت الفتنة، وشهروا السلاح، فاضطرب البلد، وغلقت