للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إفريقية، وفيهم القائم، وتلقّب مؤنس الخادم من حينئذ بالمظفّر، لغلبته عساكر المغرب غير مرة.

فلما كانت سنة خمس عشرة وثلاثمائة سيّر المهدى ابنه أبا القاسم من المهدية إلى المغرب فى جيش كثير، فى صفر، بسبب خارجى خرج عليه، وقتل خلقا، فوصل إلى ما وراء تاهرت.

وعاد فخطّ برمحه فى الأرض صفة مدينة سماها «المحمديّة»، وكانت خطّة لبنى كملان، فأخرجهم منها إلى فحص القيروان، كالمتوقّع منهم أمرا، فلذلك أحب أن يكونوا قريبا منه، وهم كانوا أصحاب أبى يزيد الخارجى.

«(١) وكان المهدى يشبّه فى خلفاء بنى العباس بالسفاح، فإن السّفاح خرج من الحميمة (٢) بالشام، يطلب الخلافة والسيف يقطر دما، والطلب مراصد، وأبو سلمة الخلّال (٣) يؤسس له الأمر، ويبث دعوته؛ وعبيد الله خرج من سلمية فى الشام، وقد أذكيت (٤) العيون عليه، وأبو عبد الله الشيعى ساع فى تمهيد دولته، وكلاهما تمّ له الأمر، وقتل من قام بدعوته (١)».

وانتقل كثير من الناس إلى المحمدية، وأمر عاملها أن يكثر من الطعام، ويخزنه ويحتفظ به، ففعل ذلك، فلم يزل مخزونا حتى خرج أبو يزيد، ولقيه المنصور بن القائم بن المهدى، ومن المحمدية كان يمتار ما يريد إذ ليس بالموضع مدينة سواها.

فلما كان يوم الاثنين الرابع عشر، وقيل وقت صلاة المغرب ليلة الثلاثاء النصف من ربيع الأول، سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة توفى أبو محمد عبيد الله المهدى بالمهدية، وأخفى ابنه أبو القاسم موته سنة لتدبير كان له، فإنه كان يخاف الناس إذا علموا بموت المهدى.


(١) هذه الفقرة وردت فى نسخة (ج) فى نهاية الكلام عن المهدى، وقبل الكلام عن القائم بأمر الله مباشرة.
(٢) الأصل: «الخيمة»، والتصحيح عن ج
(٣) حفص بن سليمان أبو سلمة الخلال من كبار دعاة العباسيين الأول، كانت له جهود مشكورة فى الحوادث التى مهدت لسقوط الامويين، مثل سنة ١٣٢ هـ. انظر: (الوفيات لابن خلكان، وتاريخ الطبرى، والكامل لابن الأثير، ج ٥).
(٤) ج: «أو كتب».