ولما روي من الإغارة على بني المصطلق وهم غازون، ويرون أن بهذا التفصيل يمكن الجمع بين الأحاديث المختلفة. مناقشة الأدلة: أما القائلون بعدم الوجوب مطلقاً فيرد عليهم ما جاء في حديث بريدة من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادعهم إلى الإسلام" فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر بالدعوة والأمر ظاهر في الوجوب، فأما القائلون بالوجوب مطلقاً فيرد عليهم ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أغار على بني المصطلق وهم غارون، ولو كانت الدعوة واجبة مطلقاً ما أغار عليهم من غير دعوة. ولهم أن يجيبوا بأن ذلك فعل، وهو يحتمل الخصوصية دون القول والذي نختاره هو مذهب الجمهور القائل بالتفصيل لما سبق من أن فيه جمعاً بين الأدلة، وبأن وجوب الدعوة معلل باحتمال قبول العدو الإسلام لو عرض عليه قبل القتال وإلزامه الحجة، فإذا سبقت الدعوة وعلمت فقد انتهت هذه العلة فينتهي حكم الوجوب بانتهائها، ولم يبق إلا المبالغة في الإنذار فلذلك ندعوهم للإسلام وعلى ما قلنا من انتهاء الوجوب لانتهاء العلة يحمل فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إغارته على بني المصطلق وهم غافلون. وهذا مذهب وسط، وجدير بالاعتبار والتقديم على غيره عند المقارنة، فلم يذهب إلى وجوب الدعوة مطلقاً ولو كانت قد بلغتهم، لأن ذلك يضر المسلمين ويضيع عليهم فوائد كثيرة، لأنهم لو اشتغلوا بالدعوة حينئذ ربما راوغهم الأعداء، حتى يتحصنوا ويستعدوا للمسلمين فلا نقدر عليهم بعد ذلك، ولم يذهب إلى عدم الوجوب مطلقاً لأن ذلك يجعل حجة الكفار قائمة علينا، وقد يكونون مستعدين لقبول الإسلام لو عرضناه عليهم فيفوت الغرض الأصلي من الجهاد وهو نشر دين الإسلام وإذاعة تعالميمه بين الناس لهدايتهم أجمعين. ينظر: "الجهاد" لشيخنا شحاتة محمد شحاتة. ١ أخرجه مسلم [٦/ ٢٧٩ وما بعدها- أبي] ، كتاب الجهاد والسير: باب تأمير الإمام الأمراء على البغوث، ووصية إياهم بآداب الغزو، حديث [٣/ ١٧٣١] ، وقد تقدم تخريج الحديث في أول هذا الباب. ٢ أخرجه أحمد [١/ ٢٣٦] ، والحاكم [١/ ١٥] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح من حديث الثوري ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بأبي نجيح والد عبد الله واسمه يسار وهو من موالي المكيين.