١ أخرجه مسلم [٦/ ٦٣٧- ٦٣٨] ، كتاب الإمارة: باب ثبوت الجنة للشهيد، حديث [١٤٦/ ١٩٠٢] . ٢ أرسل الله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس كافة، وأمره بتبليغ رسالته، والدعوة إلى الإيمان بها، ثم أذن له في قتال المغرضين المستكبرين، وقد اتفق العلماء على أن تبليغ الدعوة الإسلامية أمر يقضي به منصب النبوة وهو مقتضى الرسالة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: ٦٧] . وهذا التبليغ لا محل للكلام فيه، وإنما الكلام في أنه إذا أراد المسلمون قتال قوم، فهل يجب عليهم أن يدعوهم قبل الشروع في القتال دعوة خاصة غير التبليغ الذي وجب بمقتضى الرسالة؟ أو يصح لهم أن يفاجئوهم من غير تجديد لدعوتهم. وهنا اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: عدم وجوبها، وإليه ما فريق من العلماء. المذهب الثاني: وجوبها مطلقاً، سواء بلغتهم الدعوة قبل ذلك أم لا؛ وإليه ذهب الإمام مالك، والهادوية. والمذهب الثالث: التفضيل، وهو أنه إذا لم تكن الدعوة العامة قد بلغتهم وجبت دعوتهم قبل القتال، وإذا كانت قد بلغتهم لم تجب دعوتهم، بل تستحب وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وأكثر أهل العلم. الأدلة: استدل القائلون بعدم الوجوب، بما جاء في حديث متفق عليه عن ابن عوف قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الإسلام، وقد أغار رسول الله صلى الله على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى دراريهم وأصاب يومئذ جويرية ابنة الحارث، حدثني به عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش. فدل هذا الحديث على عدم وجوب الدعوة قبل القتال. لأنها قد انتشرت وعمت ولم يبق ممن لم تبلغهم الدعوة إلا النادر القليل. واستدل الإمام مالك ومن معه على الوجوب مطلقاً: بحديث بريدة حيث قال: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم". رواه أحمد ومسلم فذكر الإسلام ثم الجزية ثم القتال. وهو ظاهر في الإطلاق، بلغتهم الدعوة أم لا. واستدل المفصلون على وجوب الدعوة قبل القتال لمن لم تسبق دعوتهم بما رواه أحمد عن ابن عباس قال: ما قاتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوماً قط إلا دعاهم، ولأنهم بالدعوة إلى الإسلام يعلمون أننا نقاتلهم على الدين لا على شيء آخر من الأموال والنساء والذراري وغير ذلك من متاع الدنيا، فلعلهم يستجيبون لداعي الهدى فيحصل المقصود من غير احتياج إلى قتال وسفك دماء وعلى ذلك يكون من قاتل قبل الدعوة آثماً. وللعلماء في حكم التضمين خلاف ليس هذا محله. =