قال تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس} [الحجر: ٣٠-٣١] . وقال أيضا: {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك} [الحجر:٣٩-٤٠] ، وقال أيضا: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} [العنكبوت: ١٤] ، إلى غير ذلك، ولهذا اتفقت الأئمة على أنه يجوز في الطلاق، كما جاز في غيره، وقد اشتهر في لسان أهل الشريعة تسمية التعليق بمشيئة الله استثناء. واختلف أصحابنا هل هو استثناء يعطي حكم الاستثناء، أو تعليق له حكم التعليق، وإن سمي في لسانهم اسنثناء على وجهين: قال الماوردي: المشهور: من مذهب الشافعي. إن صيغة استثناء تمنع انعقاد اللفظ فيصير اللفظ: كأنه لم يكن. وقال أبو إسحاق المروزي: إنه شرط له حكم التعليق بالشرط، وإن كان ممنوع الوقوع، لعدم الشرط. فإن تسميته استثناء تساهل، لأن ذلك صيغة تعليق على شرط، كإن دخلت الدر ونحوه، وإن كان لا يبعد في اللغة تسمية كل تعليق استثناء، فإن قول القائل: أنت طالق يقتضي وقوع الطلاق من غير قيد، فإن علقه بالشرط فقد ثناه عن مقتضى إطلاقه. مذهب الشافعية: الاستثناء في الطلاق على ثلاثة أنواع: النوع الأول: يصح لفظا ونية، وهو ما جاز أن يكون صفة للطلاق، أو أمكن أن يكون حالا للمطلقة، مثال ما يكون صفة للطلاق: أنت طالق من وثاقي، أو أنت مسرحة إلى أهلك، أو مفارقة إلى سفر فإن أظهره بلفظ صح، وحمل عليه ظاهرا وباطنا، ولم يقع طلاق، لأن وضعه بما يجوز أن يكون من صفاته. وإن لم يظهره في لفظه وأضمره في نيته، صح إضماره ودين فيما بينه وبين ربه، ولم يلزمه الطلاق في الباطن ولزمه في الظاهر. وقال أبو حنيفة: يلزمه الطلاق ظاهرا وباطنا، ولا يدين، كما لا يدين، إذا تلفظ بالطلاق مريدا به غيره. ودليلنا: قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تحاسبوا العبد حساب الرب" أي: لا تحاسبوه إلا على الظاهر فقط، وإن كان الله تعالى يحاسبه على الظاهر والباطن. وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما أحكم بالظاهر ويتولى الله السرائر"، ولأن اللفظ يحتمل ما نوى، لأنه لو صرح به لكان محمولا عليه، فاقتضى أن يكون مدينا فيه، لأنه أحد احتماليه وليس كذلك، إذا أوقع الطلاق مريدا به غير الطلاق، لأنه يسلب اللفظ حكم الذي لا يحتمل غيره. ومثال ما يمكن أن يكون حالا للمطلقة: أنت طالق إن دخلت الدار، أو إن كلمت زيدا، فإن أظهر ذلك بلفظه حمل عليه في الظاهر، ولم يقع الطلاق عليها، إلا على الحال التي شرطها، وإن أضمره بقلبه، ولم يظهره بلفظ دين فيه بالباطن، فلم يلزمه الطلاق إلا بذلك الشرط اعتبارا بما أضمره، ولزمه في ظاهر الحكم اعتبارا بما أظهره. النوع الثاني: لا يصح مطلقا، وهو ما كان فيه إبطال ما أوقع، ونفي ما أثبت كقوله: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، أو أنت طالق إلا أنت، الطلاق واقع ظاهرا وباطنا، وهذا الاستثناء باطل، لأن وقوع الطلاق يمنع من رفعه لا سيما مع قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، العتاق"، والفرق بين ما هنا حيث بطل، والنوع الأول؛ حيث صح أن بذلك صفة محتلمة، وحال ممكنة يبقى معها اللفظ على احتمال يجوز وهذا رجوع لا يحتمل، ولا يجوز.==