للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمعنا بعض العرب يقوله:

دَعِي مَاذَا عَلِمْتِ سأتَّقيهِ ... البيت.

فـ "الذي" لا يجوز في هذا الموضع، و"ما" لا يحسن أن تلغيها، إلى هنا كلام سيبويه. قال السيرافي: إن قيل: هلا جعلتم "ذا" زائدة، وجعلتم "ما" للاستفهام، أو بمعنى الذي كما كانت قبل "ذا" ويكون (مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ) [النحل/ ٣٠] بتقدير ما أنزل، ودعي ماذا علمت بتقدير: دعي ما علمت، كما يقال: دعي الذي علمت سأتقيه، فإنَّ سيبويه استدلَّ على بطلان هذا بشيئين، أحدهما: أن "ذا" لو كانت زائدة، لوجب أن يُقال: عم ذا تسأل، وثانيهما أنها لو كانت زائدة، وقيل: ماذا تصنع كانت ما في موضع نصب، ويكون حقيقة جوابه منصوبًا، فلما قال: أنحب فيقضى، وهو بدل من "ما" عُلم أنَّ "ما" في موضع رفع، وقد يجوز أن يكون حرف الاستفهام في كلام السائل نصبًا، وفي كلام المجيب رفعًا على الاستئناف، والوجه حمل الجواب علا ما يوجبه إعراب السؤال، ويجوز أيضًا أن يكون لفظ الاستفهام في موضع رفع، ويكون الجواب نصبًا محمولًا على الفعل الذي في الكلام، لأنَّ المعنى لا يتغير كقولك: زيدًا، إذا قيل لك: من الذي رأيت؟ كأنك قلت: رأيت زيدًا، وأما قوله:

دّعِي مّاذّا عَلِمْتِ سأتَّقِيهِ

فالحرفان جميعًا بمعنى الذي، وعلمت صلة، والعائد محذوف، أي: علمته، وسبيل "ماذا" في كونها بمعنى الذي كسبيل "ما" وحدها إذا كانت بمعنى الذي. فإن قيل: هلا جعلتم ما زائدة، وجعلتم "ذا" وحدها بمعنى الذي، كما قال تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ) [طه: ١٧] تلك بمعنى التي، وبيمينك صلة؟ فالجواب: أنَّ تلك وهذا وما جرى مجراهما من أسماء الإشارة لا يكنّ عند أصحابنا بمعنى الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>