على أنَّ اللام بمعنى "من" لأنَّ أفعل إنما يتعّدى بمن. قال ناظر الجيش: ويمكن أن يجاب عنه، فإنَّ الشاعر مراده إثبات الفضل الزائد له ولقومه، بدليل صدر البيت، وهو: لنا الفضل في الدنيا، وليس مراده: ونحن أفضل منكم يوم القيامة، إنما المعنى: ونحن أفضل مفاخرين لكم يوم القيامة، فالجار والمجرور في موضع الحال، ويدل على مفاخرين سياق البيت؛ لأنَّ الشاعر إنما قال ذلك افتخارًا وشرفًا، وعلى هذا يكون معدّيه للعامل المقدَّر هو الحال في الحقيقة، هذا هو الذي ظهر لي في هذا البيت، لكن فيما ذكرته إشكال من جهة الصناعة النحوية؛ لأنَّ "لكم" إذا كان حالًا إنما هو الحال من الضمير المستتر في أفضل، فالعامل في الحال هو أفضل، وأفعل التفضيل لا يعمل في حال مقدمة عليه إلاَّ في مسألة "هذا بسرًا أطيب منه رطبًا" لكن يجاب عن هذا بأنَّ الحال المتقدمة هنا إنما هي ظروف لا اسم صريح، والتوسع في الظرف أمر معروف عند النحاة، لا سيما ورود ذلك في شعر. انتهى كلامه.
ويؤيد توجهه أنًّ البيت من قصيدة لجرير هجا بها الأخطل النصراني. وقد تقدَّم شرحها مع بيان سببها في الإنشاد الرابع والتسعين بعد المائة. وقوله: وأنفك راغمٍ، أي: ذو رغام، وهو التراب، قال صاحب "المصباح": الرغام بالفتح: التراب، ورغم أنفه من باب قتل، ورغم من باب تعب، لغة: كناية عن الذل، كأنه لصق بالرغام هوانًا، ويتعدَّى بالألف فيقال: أرغم الله أنفه، وفعلته على رغم أنفه، بالفتح والضمّ، أي: على كره منه، وراغمته: غاضبته؛ وهذا ترغيم له، أي: إذلال. وهذا من الأمثال التي جرت في كلامهم بأسماء الأعضاء، ولا يرد أعيانها، بل وضعوها لمعان غير معاني الأسماء الظاهرة، ولا حظّ لظاهر الأسماء من طريق الحقيقة، ومنه قولهم: كلامه تحت قدمي، وحاجته خلف ظهري، يريدون الإهمال وعدم الاحتفال. انتهى كلامه.