على أنَّ ((كلّا)) لا تضاف إلاَّ إلى ما يدل على اثنين، وهنا أضيفت إلى ((ذلك))، وهو أسم الإشارة يشار به إلى الواحد، وأجاب بأنّه أشير به إلى المثنى على معنى: وكلّا ما ذكر، كقوله تعالى:{عوان بين ذلك}[البقرة/٦٨] أي: بين الفارض والبكر، وهذا تأويل صاحب ((الكشاف)) في الأية. قال: فإنَّ قلت: ((بني)) يقتضي شيئين فصاعدًا، فمن أين جاز دخوله على ((ذلك))؟ قلت: لانه في معنى شيئين حيّث وقع مشارًا به إلى ما ذكر من الفارض والبكر، فإن قلت: كيف جاز أنَّ يشار به إلى مؤنثين، وإنَّما هو للإشارة إلى واحد مذكر؟ قلت: جاز ذلك على تأويل ما ذكر، وما تقدَّم، للاختصار في الكلّام. انتهى. وهذا غير جيد؛ فإنَّ اسم الإشارة يؤول به الضمير المفرد إذا كان مرجعه متعددًا، كقول صاحب ((الكشاف)) في سورة الأنعام عند قوله تعالى: {قل أرأيتم إنَّ أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به}[الأنعام/٤٦] أي: يأتيكم بذاك، إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة، أو بما أخذا وختم عليه. انتهى. فأول الضمير المخالف لمرجعه باسم الإشارة وبالوصول، وهما تأويلان معروفان للضمير المخالف، والأول أجود؛ لأنَّ التأويل بالموصول يستدعي زيادة تقدير، ولأنَّ التأويل باسم الإشارة تأويل للراجع، وبالموصول تأويل للمرجع، وتغيير التابع أهون من تغيير المتبوع، ولذا قدمه في تأويل آية الأنعام، وبعضهم يعبر عند التأويل بالموصول بقول المذكور، بناء على أنَّ ((أل)) في الوصف موصولة وإنَّ أريد الثبوت، وفي كلّام صاحب ((الكشاف)) تصريح بأنَّ اسم الإشارة نفسه إذا خالف المشار إليه إفرادًا وضدية وتذكيرًا وضده، لا يحتاج إلى التأويل فيترك على حاله، لأنَّ تلك الاَّحوال ليست ثابتة على الحقيقة، كما أنَّ الموصول كذلك، وهو واضح. كيف! ولو احتاج ما به التأويل إلى التأويل بشيء آخر لزم التسلسل، وكان ينبغي له أنَّ يترك تأويل اسم الإشارة بما ذكر في آية البقرة، ويقول: جاز ذلك لأنَّ أسماء الإشارة، تثنيتها وجمعها وتأنيثها ليس على الحقيقة، وقد اعترف