وقد تأملت ذلك فوجدت قول سيبويه أصح من قول البيايين، وإنَّ المعنى حضره وغاب عنهم، لانه ابتدأ في اللفظ بكل، ومعناها كلّ فرد، فكان عاملها المتأخر في معنى الخبر عنها: لأنَّ السامع إذا سمع المفعول يتشوف إلى عامله، كا يتشوف سامع المبتدأ إلى الخبر، وبه يتم الكلّام؛ فكان:" كلّه لم أصنع" مرفوعًا ومنصوبًا سواة في المعنى، وإنَّ اختلفا في إلاَّعراب، ويبعد كلّ االبعد إنَّ يحمل كلّام سيبويه على إنَّ " كلّه لم أصنع" بالرفع والنصب معناه عدم صنع المجموع، فيكون قد صنع بعضه، لأنَّ معنى الحديث على خلافه في قوله:" كلّ ذلك لم يكن" وفي حفظي من كلّام ابن عباس: كلّ ذلك لا أقول، لما قال له أبو سعيد الحدري في حديث الربا: سمعته من النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو وجدته في كتاب الله تعالى؟ فقال: كلّ ذلك لا أقول، وإنَّتم أعلم برسول الله، صلى الله عليه وسلم، مني، ولكني أخبرني أسامة، وذكر الحديث. رواه البخاري ومسلم، ومعناه: لا أقول هذا ولا هذا، فإنَّ كان كلّ بالنصب كما أحفظه، فهو نص في رد ما قاله البيانون من عدم إفادة العموم عند تقدَّمها منصوبة، ويبعد عنه سيبويه إنَّ تكون مرفوعة؛ لانه لا يجيز ذلك إلاَّ على ضعف، مقتضى مذهبه أيضًا إنَّ معمول الفعل المنفي بـ "لا" لا يتقدَّم عليها، والاَّصح جواز تقدَّمه إذا لم تكن في جواب قسم، فإنَّ ثبتت الرواية بالنصب فيدل على إنَّ المعتبر تقدَّم كلّ في اللفظ، سواء كانت مبتدأة كما في قوله: كلّ ذلك لم يكن، أم مفعولة كما هنا، والمعنى فيه ما أشرنا إليه، ولأنَّ المأخذ المتقدَّم من بناء ذلك على ما تقرر في المنطق من القضايا، وهو أمر يرجو إلى المعنى لا إلى صناعة إلاَّعراب. وقد نقل البانَّيون عن عبد القاه أنَّ: كلّ الدراهم لم أخذ، لنفي الشمول، وهو مخالف لما قلناه، ولما قاله سيبويه، والصواب حذف هذا المثال، وجعله في القسم الثاني. إلى هنا كلّام السبكي.
ولم يصب ابن خلف في " شرح شواهد سيبويه" في قوله: كلّه لم أصنع، يحتمل أمرين: أحدهما انه أراد لم يصنع جميعها، ولا شيئًا منها، وإلاَّخر: انه صنع بعضها، ولم يصنع جميعها. انتهى؛ لانه مخالف لجميع كلّام الناس، وقال أيضًا: