وجود موضوعها، وقولنا: زيد ليس بقائم، سالبة محصلة، وليس معناها الحكم على زيد بعدم القيام، وإلاَّ لساوت الموجبة المعدولة، ولكن معناها سلب ما حكمت به في الموجبة المحصّلة، وكذلك يصدق مع وجود الموضوع وعدمه، والسالبة المحصّلة نقيض الموجبة المحصّلة، وأعم من الموجبة المعدولة، ومدلول الساّلبة المحصّلة نقيض مدلول الموجبة المحصّلة. إذا عرف هذا رجعنا إلى غرضنا فقلنا: لم يقم كلّ إنسان، سالبة محصلة، معناها فقيض لمعنى الموجبة المحصّلة وهي: قام كلّ إنسان، وقولنا: قام كلّ إنسان معناه الحكم على كلّ فرد بالقيام، فيكون المحكوم به السالبة المحصّلة نقيض قيام كلّ فرد، ونقيض الكلّي جزئيّ، فيكون مدلوله سلب القيام عن بعضهم، لانه النقيض، ولهذا يقول المنطقيون: ليس كلّ إنسان بقائم: سالبة جزئية، فوافقوا العرب في هذا، والمأخذ مختلف لما سنثير إليه قريبًا. وقولنا: كلّ إنسان لم يقم، موجبة معدولة، معناها الحكم بعدم القيام على كلّ إنسان، وقد تقرر إنَّ مدلول، " كلّ إنسان" كلّ فرد، فيكون معناها الحكم بعدم القيام على كلّ فرد، ولا يعارضه قول المنطقيين: كلّ إنسان ليس قائم، سالبة جزئية؛ لأنَّ المنطقيين إنَّما قالوا ذلك لاعتقادهم من كلّ المجموع، ونحن قد بيَّنَّا أنَّ مدلولها عند العرب إلاَّفراد، فالحكم بالنفي على كلّ إلاَّفراد، فهذا هو السرّ في الفرق بين كلّ ذلك لم يكن، ولم يكن كلّ ذلك، واستقام معه كلّام اللغويين والنحويين وكلّام المنطقيين، وظهر إنَّ العرب أدركت بعقولها السليمة، وطباعها الصحيّحة ما تعب اليونان دهرهم، بل زادوا عليهم في تحرّير دلالة كلّ، والحمد لله الَّذي وفقنا لفهم ذلك. ولا يتوهم أنَّ كلًّا إذا تأخرت عن النفي كأن معناها المجموع، وانه تغير معناها، بل معناها على حاله من الدلالة على كلّ فرد دون المجموع، ولكن الكلّية وإن دلت على فرد إنما تناقضها الجزئية. إلى هنا كلّام السبكي، وهو تحقيق نفيس الى الغاية.