وسابعها: أن اختياره للأدنى لم يكن عن خاطر وحديث نفس، ولكنه كان عن إخلاد إلى الأرض، وميل بكليّته إلى ما هناك، وأصل الإخلاد اللزوم على الدوام، كأنه قيل: لزم الميل إلى الأرض، ومن هذا يقال: أخلد فلان بالمكان إذا لزم الإقامة به، قال مالك بن نويرة: بأبناء حي من قبائل مالكٍ … وعمرو بن يربوع أقاموا فأخلدوا وعبّر عن ميله إلى الدنيا بإخلاده إلى الأرض؛ لأن الدنيا هي الأرض وما فيها وما يستخرج منها من الزينة والمتاع. وثامنها: أنه رغب عن هداه، واتبع هواه، فجعل هواه إمامًا له، يقتدي به ويتبعه. وتاسعها: أنه شبهه بالكلب الذي هو أخس الحيوانات همة، وأسقطها نفسًا، وأبخلها وأشدها كَلَبًا، ولهذا سمي كلبًا. وعاشرها: أنه شبه لهثه على الدنيا، وعدم صبره عنها، وجزعه لفقدها، وحرصه على تحصيلها، بلهث الكلب في حالتي تركه والحمل عليه بالطرد، وهكذا. هذا إن ترك فهو لَهْثَانُ على الدنيا، وإن وعظ وزجر فهو كذلك. فاللهث لا يفارقه في كل حال كلهث الكلب. وهذا التمثيل لم يقع بكل كلب، وإنما وقع بالكلب اللاهث، وذلك أخس ما يكون وأشنعه.