والوجه: أن هذا المثل متصل بقوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الحشر: ١٥] كما يفصح عنه قوله في آخره: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ﴾ الآية، أي: مثلهم في تسبيبهم لأنفسهم عذاب الآخرة كمثل الشيطان إذ يوسوس للإنسان بأن يكفر ثم يتركه ويتبرأ منه فلا ينتفع أحدهما بصاحبه ويقعان معًا في النار. فجملة ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ﴾ حال من ضمير ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الحشر: ١٥] أي: في الآخرة. فالمعنى: إذ قال للإِنسان في الدنيا: اكفر، فلما كفر ووافى القيامة على الكفر قال الشيطان يوم القيامة: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ﴾، أي: قال كل شيطان لقرينه من الإِنس: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ﴾ طمعًا في أن يكون ذلك منجيه من العذاب. ففي الآية إيجاز حذف حُذف فيها معطوفات مقدرة بعد شرط (لَمَّا) هي داخلة في الشرط إذ التقدير: فلما كفر واستمر على الكفر، وجاء يوم الحشر واعتذر بأن الشيطان أضله قال الشيطان: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ﴾ إلخ. وهذه المقدرات مأخوذة من آيات أخرى مثل آية سورة إبراهيم وآية سورة ق: ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ﴾ الآية [ق: ٢٧]. وظاهر أن هذه المحاجة لا تقع إلا في يوم الجزاء وبعد موت الكافر على الكفر دون من أسلموا. وقول: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا﴾ من تمام المثل. أي كان عاقبة الممثل بهما خسرانهما معًا. وكذلك تكون عاقبة الفريقين الممثلين أنهما خائبان فيما دبّرا =