للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ عَطَاءٌ: يَنْبَحُ إنْ حَمَلْت عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَبُومُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَة (١): كُلُّ شَيْءٍ يَلْهَثُ إِنَّمَا يَلْهَثُ مِنْ إعْيَاءٍ أَوْ عَطَشٍ إلَّا الْكَلْبَ فَإِنَّهُ يَلْهَثُ فِي حَالِ الْكَلَالِ، وَحَالِ الرَّاحَةِ وَحَالِ الصِّحَّةِ وَحَالِ الْمَرَضِ وَالْعَطَشِ، فَضَرَبَهُ اللهُ مَثَلًا لِمَنْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ. وَقَالَ: إنْ وَعَظْتَهُ فَهُوَ ضَالٌّ وَإِنْ تَرَكْتَهُ فَهُوَ ضَالٌّ كَالْكَلْبِ إنْ طَرَدْتَهُ لَهَثَ وَإِنْ تَرَكْتَهُ عَلَى حَالِهِ لَهَثَ.

وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (١٩٣)[الأعراف: ١٩٣].

وَتَأَمَّلْ مَا فِي هَذَا المَثَلِ مِنْ الْحِكْمِ وَالمَعْنَى (٢):


(١) في «تأويل مشكل القرآن» (٣٦٩).
(٢) وقال في «الفوائد» (ص/ ١٤٧ فما بعد): فهذا مثل عالم السوء الذي يعمل بخلاف علمه.
وتأمّل ما تضمنته هذه الآية من ذمه، وذلك من وجوه:
أحدها: أنه ضل بعد العلم، واختار الكفر على الإيمان عمدًا لا جهلًا.
وثانيها: أنه فارق الإيمان مفارقة من لا يعود إليه أبدًا؛ فإنه انسلخ من الآيات بالجملة، كما تنسلخ الحية من قشرها، ولو بقي معه منها شيء، لم ينسلخ منها.
وثالثها: أن الشيطان أدركه ولحقه، بحيث ظفر به وافترسه، ولهذا قال: ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ﴾، ولم يقل تبعه، فإن معنى أتبعه أدركه ولحقه، وهو أبلغ من تبعه لفظًا ومعنى.
ورابعها: أنه غوي بعد الرشد. والغي: الضلال في العلم والقصد، وهو أخص بفساد القصد والعمل كما أن الضلال أخص بفساد العلم والاعتقاد؛ فإذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، وان اقترنا فالفرق ما ذكر.
وخامسها: أنه سبحانه لم يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب هلاكه؛ لأنه لم يرفع به فصار وبالًا عليه، فلو لم يكن عالمًا لكان خيرًا له وأخف لعذابه. =

<<  <   >  >>