للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

* قُلْت: مُرَادُهُ بِانْقِطَاعِ فُؤَادِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فُؤَادٌ يَحْمِلُهُ عَلَى الصَّبْرِ وَتَرْكِ اللَّهَثِ؛ وَهَكَذَا الَّذِي انْسَلَخَ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَمْ يَبْقَ مَعَهُ فُؤَادٌ يَحْمِلُهُ عَلَى الصَّبْرِ عَنْ الدُّنْيَا وَتَرْكِ اللَّهَفِ عَلَيْهَا، فَهَذَا يَلْهَفُ على الدُّنْيَا مِنْ قِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْهَا، وَهَذَا يَلْهَثُ مِنْ قِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْ الْمَاءِ، فَالْكَلْبُ مِنْ أَقَلِّ الْحَيَوَانَاتِ صَبْرًا عَنْ الْمَاءِ، وَإِذَا عَطِشَ أَكَلَ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، وَإِنْ كَانَ صَبَرَ عَلَى الْجُوعِ؛ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ مِنْ أَشَدِّ الْحَيَوَانَاتِ لَهَثًا، يَلْهَثُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمَاشِيًا وَوَاقِفًا، ذَلِكَ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ؛ فَحَرَارَةُ الْحِرْصِ فِي كَبِدِهِ تُوجِبُ لَهُ دَوَامَ اللَّهَثِ، فَهَكَذَا مُشْبِهُهُ شِدَّةُ حَرَارَة الشَّهْوَةِ فِي قَلْبِهِ تُوجِبُ لَهُ دَوَامَ اللَّهَث، فَإِنْ حَمَلْت عَلَيْهِ الْمَوْعِظَةَ وَالنَّصِيحَةَ فَهُوَ يَلْهَفُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ وَلَمْ تَعِظْهُ فَهُوَ يَلْهَفُ.

قَالَ مُجَاهِدٌ: وَذَلِكَ مَثَلُ الَّذِي أُوتِيَ الْكِتَابَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِه (١).

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ الْحِكْمَةَ لَمْ يَحْمِلْهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَهْتَدِ إلَى خَيْرٍ، كَالْكَلْبِ إنْ كَانَ رَابِضًا لَهَثَ وَإِنْ طُرِدَ لَهَث (٢).

وَقَالَ الحَسَنُ: هُوَ الْمُنَافِقُ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْحَقِّ، دُعِيَ أَوْ لَمْ يُدْعَ، وُعِظَ أَوْ لَمْ يُوعَظْ، كَالْكَلْبِ يَلْهَثُ طُرِدَ أَوْ تُرِكَ (٣).


(١) في إسناده مقال: أخرجه الطبري في تفسيره رقم (١٥٨٤)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» رقم (٩٣٦٦)، ومجاهد في «تفسيره» رقم (٤٨٧)، وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ كما في «الدر المنثور» (٣/ ٦١١) من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد وسبق التنبيه عليها.
(٢) إسناده منقطع: أخرجه الطبري في «التفسير» رقم (١٥٤٨٧)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» رقم (٩٣٣٥) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
قال الخليلي في «الإرشاد» (١/ ٣٩٤): أجمع الحفاظ على أن ابن أبي طلحة لم يسمع التفسير من ابن عباس.
(٣) في تفسير الطبري رقم (١٥٤٨٧): وكان الحسن يقول: هو المنافق.

<<  <   >  >>