وقد ورد من حديث أبي هريرة، وجابر، وأنس، وعائشة - رضي الله عنهم -. وكل الطرق ساقها ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (١/ ١٦٧-١٧٠) . ونقدها. فتعقبه السيوطي في ((اللآلئ)) (١/ ١٢٢-١٢٣) على عادته بما لا طائل تحته وقال: ((الأشبه أنه ضعيف لا موضوع، وأصلح طرقه طريق رشدين وطريق أبي ربيع السمان، واسمه أشعث بن سعيد، روى له الترمذي وابن ماجة ٠٠٠ الخ)) . ... = =قلت: فننظر في خير الطرق عند السيوطي، ثم نحكم على الباقي من خلال التحقيق ٠ أما طريق الرشدين فقد أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (١٠١١/ ٣) ، ومن طريقه ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (١/ ١٦٨) من طريق أبي صالح حدثني الرشدين عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمى عن أبي هريرة. مرفوعاً. فذكره وإسناده ضعيف جداً ورشدين بن سعد ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم، والساجي، وابن القانع، والدارقطني، وغيرهم، وتركه النسائي أما قول السيوطي في ((اللآلئ)) (١/١٢٢) : ((ورشدين لم ينته حاله إلى أن يحكم عن حديثه بالوضع)) أ. هـ.
قلت: لا يخفى ما في كلام السيوطي من الخلل، وهل لا يحكم بالوضع إلا على حديث الكذاب وحده؟! والذي يتدبر صنيعه في ((اللآلئ)) يجده يستلزم في الغالب أن يوجد في السند كذاب حتى يحكم على الحديث بالوضع، وليس بلازم كما هو معروف، بل الثقة قدْ يروي الحديث الموضوع، يشبه لهُ والله أعلم. أبو صالح، هو عبد الله بن صالح كاتب الليث، أدركته غفلة الصالحين فكثرت المناكير في حديثه ولذا قالَ: ابن عدي ((هذا الحديث منكر بهذا الإسناد وهوَ غير محفوظ)) . وقال الشيخ العلامة، ذهبي العصر، المعلم اليماني رحمه الله تعالى في تعليقه على ((الفوائد المجموعة)) (٤٧٥) للشوكاني: ((إذا كانَ مثل هذا الخبر فإن متنه منكر، وكذلك سنده إذ تفرد بهِ رشدين عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمى، عن أبي هريرة مرفوعاً ولو تفرد بمثل هذا الثقة، لقالوا: باطل، اعتذروا بأنه أدخل، أو نحو ذلكَ، مع أنه من رواية أبي صالح عنهُ، وحال أبي صالح معروفة ... )) أ. هـ أما طريق أبي الربيع السمان، فقد: أخرجه ابن عدي (١/ ٣٦٨) ومن طريقه ابن الجوزي (١/ ١٦٩) وابن السني وأبو نعيم كلاهما في ((الطب)) وأبو يعلى في ((مسنده)) والطبراني في ((الأوسط)) من طرق عن أبي الربيع السمان حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. بهِ. قالَ ابن عدي: ((قالَ لنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز: هذا الحديث عندي باطل)) . قلت: وأبو الربيع السمان، اسمه أشعث بن سعيد البصري. كذبه هشيم. وقال ابن معين: ((ليس بثقةٍ)) . وتركه الفلاس، والدارقطني، وعلي بن جنيد. والكلام فيهِ طويل. قالَ الدارقطني: ((رأى شعبه يوماً راكباً، فقيل: إلى أين؟ ! فقال: إذهب إِلى أبي الربيع السمان، أقول لهُ: لا تكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) ! وقال ابن عدي: ((وهذا الحديث قدْ سرقه من أبي الربيع السمان جماعة من الضعفاء، منهم نعيم بن مورع، ويعقوب بن الوليد الودي، ويحيى بن هاشم الغساني، وغيرهم)) أ. هـ. وطريق نعيم بن مورع، أخرجه العقيلي (ق ٢٢٠/٢) ، وابن عدي في ((الكامل)) (٧/٢٤٨١) ، وابن الجوزي (١/١٧٠) عنهُ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. ونعيم هذا قالَ فيهِ البخاري: ((منكر الحديث)) . وقال النسائي: ((ليس بثقة)) . ولذا قالَ ابن عدي: ((هذا يُعرف بأبي الربيع السمان، وإن كانَ فيهِ ضعف، سرقه منه نعيم هذا ... )) . ... = =وبالجملة: فإن هذين الطريقين هما خير الطرق باعتراف السيوطي نفسه، وقدْ سقت لك ما فيها، فما بالك بما غاب عنك؟! والسيوطي رحمه الله متسامح جداً في تعقباته على ابن الجوزي. وكتابه ((اللآلئ)) يحتاج إِلى مراجعة دقيقة وتحقيق. فعسى أن يتسير ذلكَ لي، أو لأحد من الناس. والله الموفق. وقدْ حكم على الحديث بالبطلان يحيى بن معين، والبغوي. وقال ابن حيان: ((هذا المتن لا أصل لهُ)) . وسُأل أحمد بن حنبل عنهُ، فقال: ((ليس من ذا شيء)) يعني يصح. والله أعلم.