أَنَّ الْكلَامَ فِي السَّمَاعِ وَغَيْرِهِ مِن الْأَفْعَالِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هَل هُوَ مُحَرَّمٌ أَو غَيْرُ محَرَّمٍ؟ بَل يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ سَائِرَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَلْتَذُّ بِهَا النُّفُوسُ، وَإِن كَانَ فِيهَا نَوْعٌ مِن اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ كَسَمَاعِ الْأَعْرَاسِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ لِقَصْدِ اللَّذَّةِ وَاللَّهْوِ لَا لِقَصْدِ الْعِبَادَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللهِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَفْعَلَ عَلَى وَجْهِ الدِّيَانَةِ وَالْعِبَادَةِ وَصَلَاحِ الْقُلُوبِ.
فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ سَمَاعِ الْمُتَقَرِّبِينَ، وَسَمَاعِ الْمُتَلَعِّبِينَ، وَبَيْنَ السَّمَاعِ الَّذِي يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْأَفْرَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الْعَادَاتِ، وَبَيْن السَّمَاعِ الَّذِي يُفْعَلُ لِصَلَاحِ الْقُلُوبِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى رَبِّ السَّمَوَاتِ.
فَإِنَّ هَذَا يُسْأَلُ عَنْهُ: هَل هُوَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ؟ وَهَل هُوَ طَرِيقٌ إلَى اللهِ؟ وَهَل لَهُم بُدٌّ مِن أَنْ يَفْعَلُوهُ لِمَا فِيهِ مِن رِقَّةِ قُلُوبِهِم وَتَحْرِيكِ وَجْدِهِمْ لِمَحْبُوبِهِم وَتَزْكِيَةِ نُفُوسِهِمْ وَإِزَالَةِ الْقَسْوَةِ عَن قُلُوبِهِم وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الْمَقَاصِدِ الَّتِي تُقْصَدُ بِالسَّمَاعِ؟
إذَا عُرِفَ هَذَا فَحَقِيقَةُ السُّؤَالِ: هَل يُبَاحُ لِلشَّيْخِ أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي هِيَ: إمَّا مُحَرَّمَةٌ أَو مَكْرُوهَةٌ أَو مُبَاحَةٌ قُرْبَةً وَعِبَادَةً وَطَاعَةً وَطَرِيقَةً إلَى اللهِ يَدْعُو بِهَا إلَى اللهِ ويُتَوِّبُ الْعَاصِينَ ويُرْشِدُ بِهِ الْغَاوِينَ وَيهْدِي بِهِ الضَّالِّينَ؟ (١).
وَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّ الدِّينَ لَهُ "أَصْلَانِ" فَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَ اللهُ وَلَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللهُ. وَاللهُ تَعَالَى عَابَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُم حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللهُ وَشَرَعُوا دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ.
وَلَو سُئِلَ الْعَالِمُ عَمَّن يَعْدُو بَيْنَ جَبَلَيْنِ: هَل يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
(١) رحم الله هذا الإمام الرباني! كيف أصل المسألة تأصيلًا بديعًا، وكيف تسلسل بهذه المقدمات حتى أوصل السائل والقارئ إلى أنْ يُجيب هو بنفسِه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute