للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

مَا ذَكَرْنَاهُ مِن أَنَّ الْأَحْكامَ مِثْل صِيَامِ رَمَضَانَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَهِلَّةِ لَا رَيْبَ فِيهِ، لَكِن الطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ طُلُوعِ الْهِلَالِ فوَ الرُّؤْيَةُ لَا غَيْرُهَا بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ.

أَمَّا السَّمْعُ: فَقَدْ .. قَالَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَدَا، وَعَقَدَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ، وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكذَا؛ يَعْنِي: تَمَامَ الثَّلَاِثِينَ" (١).

وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأُمِّيَّةَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا صِفَةُ مَدْحٍ وَكَمَالٍ مِن وُجُوهٍ: مِن جِهَةِ الِاسْتِغْنَاءِ عَن الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ بِمَا هُوَ أَبْيَنُ مِنْهُ وَأَظْهَرُ وَهُوَ الْهِلَالُ.

وَمِن جِهَةِ أَنَّ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ هُنَا يَدْخُلُهُمَا غَلَطٌ.

وَمِن جِهَةِ أَنَّ فِيهِمَا تَعَبًا كَثِيرًا بِلَا فَائِدَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ شُغْلٌ عَن الْمَصَالِحِ، إذ هَذَا مَقْصُودٌ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ نَفْيُ الْكِتَابِ وَالْحِسَابِ عَنْهُم لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ، وَللْمَفْسَدَةِ الَّتِي فِيهِ: كَانَ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ فِي ذَلِكَ نَقْصًا وَعَيْبًا؛ بَل سَيِّئَةً وَذَنْبًا، فَمَن دَخَلَ فِيهِ فَقَد خَرَجَ عَن الْأُمَّةِ الْأُمِّيَّةِ فِيمَا هُوَ مِن الْكَمَالِ وَالْفَضْلِ السَّالِمِ عَن الْمَفْسَدَةِ، وَدَخَلَ فِي أَمْرٍ نَاقِصٍ يُؤَدِّيهِ إلَى الْفَسَادِ وَالِاضْطِرَابِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ جَعَلَ هَذَا وَصْفًا لِلْأُمَّةِ، كَمَا جَعَلَهَا وَسَطًا فِي قَوْله تَعَالَى: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣]؛ فَالْخُرُوجُ عَن ذَلِكَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَأَمَّا الْعَقْلُ: فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِن أَهْلِ الْحِسَابِ كُلَّهُم مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ


(١) أخرجه البخاري (١٩١٣) ومسلم (١٠٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>