فَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ عَلَى مَجْمُوعِ الطَّائِفَةِ وَإِن لَمْ يُعْرَفْ عَيْنُ الْمُتْلِفِ.
وَإِن كَانَ قَدْرُ الْمَنْهُوبِ مَجْهُولًا لَا يُعْرَفُ مَا نَهَبَ هَؤُلَاءِ مِن هَؤُلَاءِ، وَلَا قَدْرُ مَا نَهَبَ هَؤُلَاءِ مِن هَؤُلَاءِ: فَإِنَّهُ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى التَّسَاوِي؛ كَمَنِ اخْتَلَطَ فِي مَالِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَلَمْ يَعْرِفْ أَيَّهمَا أَكْثَرُ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ نِصْفَ مَالِهِ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي لَة حَلَالٌ؛ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْعمَّالِ عَلَى الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ شَاطَرَهُمْ، فَأَخَذَ نِصْفَ أَمْوَالِ عُمَّالِهِ عَلَى الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقَ، فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ اخْتَلَطَ بِأَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ مِن أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَعْرِفْ لَا أَعْيَانَ الْمَمْلُوكِ وَلَا مِقْدَارَ مَا أَخَذَهُ هَؤُلَاءِ مِن هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ مِن هَؤُلَاءِ.
بَل يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْوَاحِدِ أَقَلُّ مِن حَقِّهِ وَأَكْثَرُ، فَفِي مِثْل هَذَا يُقَرُّ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا فِي يَدِهِ إذَا تَابَ مِن التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَإِنَّ الْمَجْهُولَ كَالْمَعْدُومِ، يَسْقطُ التَّكْلِيفُ بِهِ ويُزَكِّي ذَلِكَ الْمَالَ كَمَا يُزَكِّيهِ الْمَالِكُ.
وَإِن عَرَفَ أَنَّ فِي مَالِهِ حَلَالًا مَمْلُوكًا وَحَرَامًا لَا يعْرِفُ مَالِكَهُ وَعَرَفَ قَدْرَهُ: فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الْمَالَ عَلَى قَدْرِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَيَأْخُذُ قَدْرَ الْحَلَالِ، وَأَمَّا الْحَرَامُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَن أَصْحَابِهِ، كَمَا يَفْعَلُ مَن عِنْدِهِ أَمْوَالٌ مَجْهُولَةُ الْمُلَّاكِ مِن غصوب وَعَوَارِيّ وَوَدَائِعَ؛ فَإِنَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ؛ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَأثُورُ فِي مِثْل ذَلِكَ عَن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-.
وَإِن لَمْ يَعْرِفْ مِقْدَارَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْمَالَ نِصْفَيْنِ يَأْخذُ لِنَفْسِهِ نِصْفَهُ، وَالنِّصْفُ الثَّانِي يُوْصِلُهُ إلَى أَصْحَابِهِ إنْ عَرَفَهُم وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ.
وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ: فَيُعْطَى مِنْهُ مَن يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ، وَيُقْرَى مِنْهُ الضَّيْفُ، ويُعَانُ فِيهِ الْحَاجُّ، ويُنْفَقُ فِي الْجِهَادِ وَفِي أَبْوَابِ الْبِرِّ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ وَرَسُولُهُ، كَمَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمَجْهُولَةِ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَن تَابَ مِنَ الْحَرَامِ وَبِيَدِهِ الْحَرَامٌ لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute