الْمَقْتُولُ غَيْرَ مُكَافِئٍ لِلْقَاتِلِ مِثْل أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَالْمَقْتُولُ عَبْدًا، أَو الْقَاتِلُ مُسْلِمًا وَالْمَقْتُولُ ذِمِّيًّا او مُسْتَأْمَنًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَل يُقْتَلُ فِي الْمُحَارَبَةِ؟ وَالْأقْوَى أَنَّهُ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ قُتلَ لِلْفَسَادِ الْعَامِّ حَدًّا كَمَا يُقطعُ إذَا أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، وَكَمَا يُحْبَسُ بِحُقُوقِهِمْ.
وَإِذَا كَانَ الْمُحَارِبُونَ الْحَرَامِيَّةُ جَمَاعَةً فَالْوَاحِدُ مِنْهُم بَاشَرَ الْقَتْلَ بِنَفْسِهِ وَالْبَاقونَ لَهُ أَعْوَان ورِدء لَهُ، فَقَد قِيلَ: إنَّهُ يُقْتَلُ الْمُبَاشِرُ فَقَطْ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ يُقْتَلُونَ وَلَو كَانُوا مِائَةً، وَأَنَّ الرِّدء وَالْمُبَاشِرَ سَوَاءٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَأثُورُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؛ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَتَلَ رَبِيئَةَ الْحُحَارِبِينَ، وَالرَّبِيئَةُ هُوَ النَّاظِرُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى مَكانٍ عَالٍ يَنْظُرُ مِنْهُ لَهُم مَن يَجِيءُ، وَلِأَنَّ الْمُبَاشِرَ إنَّمَا تَمَكَنَ مِن قَتْلِهِ بِقُوَّةِ الرّدْءِ وَمَعُونَتِهِ.
وَالطَّائِفَة إذَا انْتَصَرَ بَعْضهَا بِبَعْضٍ حَتَّى صَارُوا مُمْتَنِعِينَ فَهُم مُشْتَرِكُونَ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ كَالْمُجَاهِدِينَ.
وَهَكَذَا الْمُقْتَتِلُونَ عَلَى بَاطِلٍ لَا تَأْوِيلَ فِيهِ؛ مِثْل الْمُقْتَتِلِينَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَدَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ؛ كَقَيْس وَيمَن وَنَحْوِهِمَا: هُمَا ظَالِمَتَانِ.
وَتَضمنُ كُلُّ طَائِفَةٍ مَا أَتْلَفَتْهُ لِلْأُخْرَى مِن نَفْسٍ وَمَالٍ، وَإِن لَمْ يُعْرفْ عَيْنُ الْقَاتِلِ؛ لِأنَّ الطَّائِفَةَ الْوَاحِدَةَ الْمُمْتَنِعَ بَعْضُهَا بِبَعْضُهَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ، وَعَيْنُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨].
وَلهَذَا كَانَ فِي مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ يُقْتَلُ مِنْهُم الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَتَلَ رَبِيئَةَ الْمُحَارِبِينَ، وَهُوَ النَّاظِرُ الَّذِي يَنْظُرُ لَهُم الطَّرِيقَ.
فالمتعاونون عَلَى الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ تَجِبُ عَلَيْهِم الْعُقُوبَةُ بِالضَّمَانِ وَغَيْرِهِ، وَلهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْن عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَرِياسَةٍ تَضْمَنُ كُلُّ طَائِفَةٍ مَا أتْلَفَتْ لِلْأُخْرَى مِن نَفْسٍ وَمَالٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute