وهو أمر لا يسوغ الجريان عليه فيه - أي المندوب - "مع" ما تقرّر شرعا في شأنه من "أن فيه طلبا" يقتضي فعله وجوبا "بالكلّ" وإن كان مندوبا بالجزء - كما تقدّم بيانه في كتب الأحكام - "و" بذلك فإنَّ "التّرك" له بالكلّية "إخلال" وذهاب "بأمر كلّي" قد يكون واجبا، فيؤدي ذلك التّرك إلى الإخلال بالواجب، وبذلك "فـ" إنَّ العالمَ "المقتدى به" بناء "على ما" تقدّم أنّه "يلزمه" في هذا الشّأن "يفعل" ما كان من العبادات "مندوبا و" يظهره للنّاس ليعملوا به، لكن "لا يلتزمه" ولا يداوم عليه لما تقدّم ذكره وتقريره. وهذا كلّه مطلوب ممّن يقتدى به كما هو شأن السّلف الصّالح.
وفي هذا الحديث الحسن عن أنس قال: قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - "يا بني إن قدرت أن تصبح وليس في قلبك غش لأحد فافعل، ثمّ قال لي: يا بني! وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي؛ فقد أحبني، ومن أحبني كان معى في الجنة" فجعل العمل بالسنّة إحياء لها فليس بيانها مختصًّا بالقول. وقد قال مالك في نزول الحاج بالمحصب من مكّة وهو الأبطح:"أستحبّ للأئمة ولمن يقتدى به أن لا يجاوزوه حتى ينزلوا به فإنّ ذلك من حقِّهم لأنَّ ذلك أمر قد فعله النّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والخلفاء، فيتعيّن على الأئمة ومن يقتدى به من أهل العلم إحياء سننه والقيام به لئلا يترك هذا الفعل جملة ويكون للنّزول بهذا الموضع حكم النّزول بسائر المواضع، لا فضيلة للنُّزول به بل لا يجوز النُّزول به على وجه القربة". هكذا نقل الباجي. وهو ظاهر من مذهب مالك في أن المندوب لا بدَّ من التَّفرقة بينه وبين ما ليس بمندوب، وذلك بفعله وإظهاره (١).
"وقد يرى" أي يعتقد أنّ "الأصل لذا" النَّهج المقرّر هنا هو "فعل عمر" بن الخطّاب - رضي الله عنه - وذلك "في غسلـ"ــه "ثوبه" وقال "على ما في الأثر" بل أغسلُ ما رأيتُ وأنضح ما لم أر.