والخامس: أن تكون المصلحة مصلحة تقصد بالحكم والمفسدة مفسدة كذلك مما يختص بالشارع لا مجال للعقل فيه بناء على قاعدة نفي التحسين والتقبيح فإذا كان الشارع قد شرع الحكم لمصلحة ما فهو الواضع لها مصلحة وإلا فكان يمكن عقلا أن لا تكون كذلك إذ الأشياء كلها بالنسبة إلى وضعها الأول متساوية لا قضاء للعقل فيها بحسن ولا قبح فإذا كون المصلحة مصلحة هو من قبل الشارع بحيث يصدقه العقل وتطمئن إليه النفس فالمصالح من حيث هي مصالح قد آل النظر فيها إلى أنها تعبديات وما انبنى على التعبدي لا يكون إلا تعبديا (*).
"و كل ما" فعل مشروع و"معناه" المقصود منه شرعا "ليس يعقل" أي ليس يدرك من جهة العقل وإنما يؤتى ويفعل امتثالا للخطاب الشرعي الوارد فيه "فـ" ذاك "هو التعبد" المقصود هنا، و"الذي يستعمل" ويعبر به في كتب الفقه، والأصول. "وحيث صح" في "هذ الأصل المرعى" المعتبر هنا، وتقرر ثبوته وذلك الأصل هو أن التعبد جار في جميع مواطن الأحكام الشرعية فإنه تتبين به أمور، منها: أنك "ان اعتبرت كل" يعني "حكم شرعي" سواء كان في العبادات أو غيرها" وجدت أن فيه حق الله" تعالى وهو جهة التعبد، فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وعبادته تحصل بما تتحقق به هذه العبادة "من امتثال الأمر" أي أمره - سبحانه - "و" باجتناب ما وقع تحت "النواهي" الآتية منه عز وجل. فإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجردا، فإن ذلك ليس بإطلاق، بل جاء على تغليب حق العبد في الأحكام الدنيوية. "و" كما أن في كل حكم شرعي حق لله - تعالى - كذلك "فيه حق العبد" وهو "إما" أن يكون حقا "عاجلا في هذه الدار" الدنيا "وإما" أن يكون حقا "آجلا" في الدار الآخرة بناء على أن الشريعة إنما وضعت لمصالح العباد ولذلك قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث: "حق