للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كذبة أو أكثر، فإذا كانوا قد منعوا من ذلك في السماء فكذلك في الأرض، وقد عجزت الفصحاء اللسن عن الإتيان بسورة من مثله، وهو كله من جملة الحفظ، والحفظ دائم إلى أن تقوم الساعة، فهذه الجملة تدلك على حفظ الشريعة وعصمتها من التغيير والتبديل (١).

هذه هي الجهة الأولى، وأما الثانية فقد أوردها الناظم قائلا: "أو باعتبار" واستحضار "حالة" الوجود "والوقوع" التي يشهد عليها الحس، فإن الواقع من زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن يشهد على هذا الحفظ على قطع وذلك أن الله - عز وجل - وفر دواعي الأمة للذب عن الشريعة والمناضلة عنها بحسب الجملة، والتفصيل.

أما القرآن الكريم فقد قيض الله له حفظة بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه الالاف من الأطفال الأصاغر فضلا عن القراء الأكابر. وهكذا جرى الأمر في جملة الشريعة، فقيض الله لكل علم رجالا حفظه على أيديهم. ثم قيض الله - تعالى - ناسا يناضلون عن دينه ويدفعون الشبه ببراهينه، فنظروا في ملكوت السماوات والأرض، واستعملوا الأفكار، وأذهبوا عن أنفسهم ما يشغلهم عن ذلك ليلا ونهارا، واتخذوا الخلوة أنيسا، وفازوا بربهم جليسا، حتى نظروا إلى عجائب صنع الله في سماواته وأرضه، وهم العارفون من خلقه، والواقفون مع أداء حقه، فإن عارض دين الإسلام معارض، أو جادل فيه خصم مناقض، غبروا في وجه شبهاته بالأدلة القاطعة. فهم جند الإسلام وحماة الدين. وبعث الله من هؤلاء سادة فهموا عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستنبطوا أحكاما فهموا معانيها من أغراض الشريعة في الكتاب والسنة، تارة من نفس القول، وتارة معناه، وتارة من علة الحكم، حتى نزلوا الوقائع التي لم تذكر على ما ذكر، وسهلوا لمن بعدهم طريق عليه، أو احتيج في إيضاحه إليه وهو عين الحفظ الذي تضمنته الأدلة المنقولة وبالله التوفيق (٢).


(١) الموافقات ٢ - ٤٥.
(٢) الموافقات ٢ - ٤٦ - ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>