والبحث في أحوال هذا الموضوع، وأدلته، "من ذاك" الذي يساق أوجها هنا للدلالة على صحة ما ذكر "أن الأصل" المعتمد عليه "فيها" أي في ثبوتها وهو الظن "قطعي" من حيث العمل به فقد قام الدليل القطعي على أن الدلائل الظنية تجري في فروع الشريعة مجرى الدلائل القطعية. والرخصة متى ظن وجود سببها عمل على ذلك، فأثبت عملا بما تقدم من أن الظن ينزل في الفروع منزلة العلم، "و" بذلك فـ "حكمها" أي الرخصة "لذلك" الذي تقدم تقريره في شأن الظن في الفروع "حكم شرعي" ثابت "و" يزاد على ذلك أنه "قد أتى" أي جاء "فيها من الشرع الطلب" أي في الأخذ بها في الطلب الشرعي الذي اقتضته الأدلة الدالة على رفع الحرج عن هذه الأمة التي بلغت مبلغ القطع، وغيرها من الأدلة الأخرى "والبعض منها" أي من الرخص "عند قوم" من أهل العلم "قد وجب"، وذلك كالفطر في السفر فإنه واجب عند بعض أهل العلم. "و" هذا "والأصل أن يعم" هذا الطلب، ويمضي حكمه في "الترخص" متى قام موجبه، "فـ" تخصيص ذلك با "لبعض" من الرخص دون بعض هو "تخصيص بلا مخصص" وتحكم من غير دليل. ثم إن الرخصة "وإن تكن جزئية المفهوم" يعني أن الرخصة وإن كان مفهومها جزئيا بالنسبة للعزيمة التي مفهومها كلي "فـ" إن ذلك لا يقتضي تقديم العزيمة عليها بل "هي" أي الرخصة هي التي تقدم فيكون ذلك "من" باب "التخصيص للعموم" بما يخصصه، أو من باب التقييد للإطلاق بما يقيده "و" يزاد على هذا أن "فاعل الرخصة في المواقع" التي وردت فيها شرعا، "موافق القصد" من ذلك، "لقصد الشارع" من مشروعية الرخصة الرفق بالمكلف عن تحمل المشاق، فالأخذ بها مطلقا موافق لقصده. "و" أما "غيره" وهو فاعل العزيمة، فإن فعله ذلك هو "مظنة التعمق" والتكلف "في" الأخذ بأحكام "الشرع وهو" أمر غير مقبول "عنده" أي في حكمه - أي الشرع - بل هو "مما اتقي" واجتنب ونهي عنه.