وفي الحديث أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدر فيها لحم فقال ناولني ذراعا قال الراوي فناولته ذراعا فقال ناولني ذراعا فناولته ذراعا فقال ناولني ذراعا فقلت يا رسول الله كم للشاة من ذراع فقال: والذي نفسي بيده لو سكت لأعطيت ذراعا ما دعوت وحديث علي قال دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى فاطمة من الليل فأيقظنا للصلاة قال فجلست وأنا أعرك عيني وأقول إنا والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثها بعثها فولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا" وحديث "يا أيها الناس اتهموا الرأي فإنا كنا يوم أبي جندل ولو نستطيع أن نرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددناه" ولما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم حزن جد سعيد بن المسيب فقال له ما اسمك قال حزن قال بل أنت سهل قال لا أغير اسما سماني به أبي قال سعيد فما زالت الحزونة حتى اليوم والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والثالث ما عهد بالتجربة من أن الاعتراض على الكبراء قاض بامتناع الفائدة مبعد بين الشيخ والتلميذ ولا سيما عند الصوفية فإنه عندهم الداء الأكبر حتى زعم القشيري عنهم أن التوبة منه لا تقبل والزلة لا تقال ومن ذلك حكاية الشاب الخديم لأبي يزيد البسطامي إذ كان صائما فقال له أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي:"كل معنا يا فتى فقال أنا صائم فقال أبو تراب كل ولك أجر شهر فأبى فقال شقيق كل ولك أجر صوم سنة فأبى فقال أبو يزيد دعوا من سقط من عين الله" فأخذ ذلك الشاب في السرقة وقطعت يده وقد قال مالك بن أنس لأسد حين تابع سؤاله هذه سليسلة بنت سليسلة إن أردت هذا فعليك بالعراق فهدده بحرمان الفائدة منه بسبب اعتراضه في جوابه ومثله أيضا كثير لمن بحث عنه فالذي تلخص من هذا أن العالم المعلوم بالأمانة والصدق والجري على سنن أهل الفضل والدين والورع إذا سئل عن نازلة فأجاب أو عرضت له حالة يبعد العهد بمثلها أو لا تقع من فهم السامع موقعها أن لا يواجه بالاعتراض والنقد فإن عرض إشكال فالتوقف أولى بالنجاح وأحرى بإدراك البغية إن شاء الله تعالى (١).