ومنه حذف جواب الشرط كما في قوله:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(يس: ٤٥) أي أعرضوا بدليل قوله بعده: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}(يس: ٤٦) وهذا الحذف يشير إلى أنه كان ينبغي لهم أن يستجيبوا ويقبلوا النصح فيحققوا التقوى، وما كان ينبغي لهم الإعراض والتولي، وكأن طيه من اللفظ ينبئ بضرورة التخلي عنه وإسقاطه من الأذهان والمسارعة إلى قبول الهداية والحق، ومن ذلك قوله تعالى:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(الزمر: ٧٣) والتقدير: حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها سعدوا وحصلوا على النعيم المقيم، الذي لا يحيط به الوصف.
وبلاغة حذف الجواب هنا تكمن في أن النفس تذهب في تقدير الجواب المحذوف كل مذهب، وفي الدلالة على أنه شيء لا يحيط به الوصف ولا تتسع له العبارة، وتأمّل ما وراء هذه الواو {وَفُتِحَتْ} من تكريم وتشريف لهؤلاء الذين اتقوا، فقد فُتحت لهم أبواب الجنة قبل أن يأتوها تكريمًا لهم وتعظيمًا لشأنهم، ثم انظر إلى وصف الذين كفروا:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}(الزمر: ٧١) تجد أن {فُتِحَتْ} قد جاءت بدون واو، فهو جواب "إذا" ومجيئها بدون الواو يشير إلى شدة مواجهتهم بالعذاب، فأبواب جهنم مغلقة لا تفتح إلا عند وصولهم إليها {إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} حتى تواجههم بصنوف العذاب وألوان الآلام، أما أبواب الجنة فتفتّح قبل مجيء الذين اتقوا وتجهّز قبل وصولهم وتعد، تكريمًا لهم وتعظيما {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ}(ص: ٥٠).