والإخراج يقتضي مخرجًا منه، ولابد أن يكون عامًّا ليتناول المستثنى وغيره، فيتحقق الإخراج. وأن يكون مناسبًا للمستثنى في جنسه وصفته، فيقال في الأمثلة المذكورة: ما ضرب أحدٌ إلا زيد، ما فعل زيد شيئًا من الأشياء إلا هذا، ما كسوته من اللباس إلا جبة، وإذا كان النفي متوجهًا إلى هذا المقدّر العام المناسب للمستثنى في جنسه وصفته؛ فعندما توجب من ذلك المقدّر شيئًا بـ"إلا" أو غيرها من أدوات الاستثناء يكون القصر؛ لأن ما عدا هذا المثبت يظل باقيًا على صفة الانتفاء، وكل قصر يفيد إثباتًا ونفيًا؛ أي إثبات المقصور للمقصور عليه ونفيه عما سواه على الإطلاق في القصر الحقيقي، أو عن معين في القصر الإضافي.
وخلاصة القول: أن الاستثناء المفرّغ كقولك: ما جاء إلا زيد، قصر اصطلاحي باتفاق البلاغيين، والاستثناء التام المنفي كقولك: ما جاء أحد إلا زيد، قصر اصطلاحي على الراجح، والاستثناء التام الموجب كقولك: قام القوم إلا زيد، يفيد القصر وليس قصرًا على الراجح من أقوالهم.
ثالث طرق القصر الاصطلاحي "إنما"
ودلالتها على القصر دلالة وضعية، وعلى الرغم من ذلك لم يفت البلاغيون أن يتحدثوا عن وجه دلالتها على القصر، فقد ذكروا أنها تدل على القصر لتضمنها معنى "ما وإلا" واستدلوا على ذلك بوجوه منها:
أ- قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ}(البقرة: ١٧٣) بالنصب؛ حيث ذكر المفسرون الذين يُحتج بهم في اللغة كابن عباس ومجاهد ونحوهما من الصحابة والتابعين أن المعنى: ما حرم عليكم إلا الميتة، وهو المطابق لقراءة الرفع؛ حيث يُفاد القصر في هذه القراءة -قراءة الرفع- بتعريف الطرفين؛ فالآية فيها ثلاث قراءات، وكلها تفيد القصر.