ومنه: قول الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}(الإسراء: ١١٠). فالدعاء في الآية، بمعنى التسمية، والأصل: قل ادعوه الله أو ادعوه الرحمن، فحذف المفعول إيجازًا واختصارًا.
وقد يحذف المفعول لتعينه، كما في قولك: نحمد ونشكر، تريد: نحمد الله ونشكره، فتسكت عن ذكر لفظ الجلالة؛ لتعينه وانصراف الفعلين له تعالى لا لغيره.
وقد يحذف المفعول لصون اللسان عن النطق به، كما تقول: لعن الله وأخذه، تريد الشيطان، فتحذفه؛ صونًا للسانك عن النطق به.
إلى غير ذلك من الأسرار الدقيقة التي تراها كامنة وراء طي المفعول وإسقاطه والسكوت عنه؛ فهي لا تخفى على صاحب الذوق السليم وذي الطبع العربي القويم عندما يقرأ وينظر في التراكيب الجيدة والأساليب الرفيعة.
تقديم المفعول على العامل
وإذا ما انتقلنا للحديث عن تقديم المفعول ونحوه من المتعلقات على العامل؛ لوجدنا أن تقديم المفعول ونحوه من المعمولات: كالجار والمجرور، والظرف، والمصدر، والحال، على العامل يفيد غالبًا الاختصاص، أي: قصر العامل المؤخر على معموله المقدم. تقول: زيدًا أكرمتُ، وبمحمد مررت، وضاحكًا جاء زيد، وإشفاقًا أعطيت، فتفيد بذلك قصر الإكرام على زيد والمرور على كونه بمحمد، وقصر مجيء زيد على هيئة الضحك، وإعطائك على كونه من أجل الإشفاق.
ومن ذلك: قول الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة: ٥). أي: نخصك بالعبادة فلا نعبد غيرك. ونخصك بالاستعانة فلا نستعين إلا بك.