ويتكون حال المخاطب لدى المتكلم وترسم في ذهني من خلال خبرته ومعرفته بشئون مخاطبه؛ فعند التأمل تجد أن حال المخاطب تؤول إلى المتكلم وما قد علمه ووعاه عن مخاطبه، وفي كثير من الشواهد لا تستطيع أن تحدد مخاطبًا أو تعين حالًا له، بل تجد القصر منظورًا فيه إلى حال المتكلم وما يحكيه عن نفسه، فهذا مظهر جديد من مظاهر القصر وصورة أخرى من صوره، تأمل مثلًا قول الشاعر:
وكنت امرأً ألقى الزمان مسالمًا ... فآليت لا ألقاه إلا محاربًا
تجد القصر فيه قصر قلب، فالشاعر قد تغير وتبدل، وانقلب من امرئ يلقى الزمان مسالمًا إلى امرئ لا يلقاه إلا محاربًا، وأنت إن ذهبت تفتش عن حالٍ هنا لا تجد إلا حال المتكلم وحديثه عن نفسه.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أقسام القصر باعتبار طرفيه: المقصور، والمقصور عليه
هذا وينقسم القصر باعتبار طرفيه المقصور والمقصور عليه، إلى قصر صفة على موصوف وقصر موصوف على صفة، والمراد بالصفة هنا الصفة المعنوية، التي هي معنى قائم بالغير؛ سواء أكان هذا فعلًا أو مصدرًا أو مشتقًّا أو ظرفًا أو جارًا ومجرورًا أو غير ذلك، وليس المراد بها النعت النحوي؛ لأنه لا يقع قصر بين نعت ومنعوته، كقولك: جاء رجل فاضل، ففاضل نعتٌ نحوي للرجل، لا يفصل بينهما ولا يتصور بينهما قصر، كما أن المراد بالموصوف هنا كل ما قام به غيره وإن كان هو في نفسه صفة، تقول في قصر الصفة على الموصوف: ما شاعرٌ إلا زهير، ما كتب فلان إلا الشعر، ما أكرمت إلا زيدًا، وفي قصر الموصوف على الصفة: ما شوقي إلا شاعر، إنما أنت والٍ، محمد فارس لا كاتب، ما حاتم بخيلًا بل جواد.
فقصر الصفة على الموصوف معناه: ألا تتجاوز الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف آخر أصلًا إذا كان القصر حقيقيًّا، أو إلى موصوف آخر إذا كان القصر إضافيًّا، ولا يمنع هذا أن يتصف الموصوف المقصور عليه بصفات أخرى غير تلك الصفة