إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونسترضيه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، كما نعوذ به من سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فحديثنا -بمشيئة الله تعالى- عن باقي أحوال متعلقات الفعل، وأعني بذلك: أغراض حذف المفعول، وتقديم المفعول ونحوه من المتعلقات على العامل، وسر تقديم بعض المتعلقات على بعض.
فقد أبرز الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) ما يكمن وراء حذف المفعول به من دقائق ولطائف، وعندما ترجع إلى كتابه المذكور؛ يتبين لك أن كل مَن جاء بعده من البلاغيين قد استمدوا وأفادوا من حديثه عن المفعول، ومن تجليته لما يكمن وراء حذفه من مزايا وأسرار بلاغية.
ومعلوم أن الفعل اللازم لا يحتاج إلى مفعول، نحو: فرح محمد، وسعد علي، وبكَى عمرو، وشقي الكافر؛ ولذا لا يدخل معنا في حذف المفعول؛ إذ لا مفعول له أصلًا، إلا إذا عديته بالهمزة أو بالتضعيف، فقلت: أسعدت عليًّا، وأبكيتُ عمرًا، وأشقيت فلانًا، فعندئذ يصير الفعل متعديًا ويجري عليه ما يجري على الفعل المتعدي من أحكام.
والفعل المتعدي: له مفعول يقع عليه، ولا يحذف ذلك المفعول، ويرد الفعل بدونه إلا لأغراض بلاغية وأسرار دقيقة يقتضيها المقام، منها:
أن يكون الغرض من التركيب إثبات المعنى الذي اشتق منه الفعل لفاعله، أو نفيه عنه، من غير نظر إلى تعلقه بمفعول معين، وعندئذٍ يكون الفعل المتعدي كاللازم في أنك لا ترى له مفعولًا لا لفظًا ولا تقديرًا، تقول: فلان يحل ويعقد، ويعطي ويمنع، ويأمر وينهى، ويضر وينفع، وتقول: محمد يعطي، ويبذل ويضيف