المرادة، وأنه لا داعي للخوض في التماس علاقات واهية بين تلك المعاني وبين أساليب الأمر والنهي والاستفهام؛ لأنه على الرغم من وَهن هذه العلاقات فإنه لا فائدة للدرس البلاغي من ورائها، فالأولى أن تُصرف الهمم، وأن توجه الأذهان إلى معرفة المزايا والأسرار الكامنة وراء استعمال الأساليب الإنشائية في الدلالة على هذه المعاني، والوقوف عليها من خلال سياقات الكلام، ومعرفة قرائن أحواله، لا أن تُبدد في اللهث وراء التقاط علاقات لا تنمي ذوقًا ولا تفيد شيئًا.
أسلوب النهي
وننتقل بعد أسلوب الأمر إلى الحديث عن أسلوب النهي.
فأسلوب النهي: هو كل أسلوب يُطلب به الكف عن الفعل على جهة الاستعلاء والإلزام، فيكون من جهة عليا ناهية إلى جهة دنيا منهية. وله صيغة واحدة وهي المضارع المقارون المقرون بلا الناهية. كقولك: لا تصاحب الأشرار، لا تفعل السوء، لا تكف عن البذل والعطاء. ومنه قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}(الإسراء: ٣١)، وقوله:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}(الأعراف: ٥٦)، وقوله:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}(البقرة: ١٨٧). فقد أفاد النهي في الآيات الكريمة طلب الكف عن قتل الأولاد، وعن الإفساد في الأرض، وعن اقتراب حدود الله. وصيغته -كما ترى- هي المضارع المقرون بلا الناهية.
والذي تهتم به الدراسات البلاغية ليس هو طلب الكف عن الفعل، وهو المعنى الأصلي لتلك الصيغة، وإنما تهتم بما وراء ذلك من معان بلاغية، تفيدها أسلوب النهي.