به مقدمًا، وهذه افتراضات مستبعدة؛ لأن أحوال الصياغة وما فيها من دقائق عجيبة وخفية ما هي إلا استجابات تلقائية لخواطر المتكلم ومقاصده، فصنيع السكاكي بما اشترطه يتنافَى مع فكرة اللغة العربية ويثري أدائها لمعانيها. كذا ذكره الشيخ أبو موسى في (خصائص التراكيب).
ويبقى بعد ذلك القول: بأن أصل المسألة التي دار حولها كلام عبد القاهر والسكاكي - رحمهما الله - تتمثل في تقديم المسند إليه على خبره الفعلي، ولك أن تسأ ل قائلًا: ألا يأخذ الاسم المشتق حكم الفعل باعتباره متحملًا للضمير مثله؟
الجواب: أنه إذا كان الخبر عن المسند إليه اسمًا مشتقًّا مثل: محمد كاتب، فهناك من البلاغيين من أعطاه حكم الفعل فيما سبق من أحكام، وهناك من قصر الأحكام السابقة على الفعل دون الاسم المشتق، والحق أن الفيصل هو السياق، فتارةً يقتضي هذا السياق معاملة الاسم المشتق معاملة الفعل فيفيد الإخبار به عن المسند إليه التخصيص أو التقوي، وتارةً لا يفيد، ومن البين في إفادة الخبر المشتق للاختصاص قوله تعالى:{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يَا قَوْم أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ}(هود: ٩١، ٩٢) وقوله سبحانه حكايةً عن قوم شعيب: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} مفيد التخصيص، وهو قصر نفي العزة عن شعيب وإثباتها لرهطه، كأنهم قالوا: العزيز علينا يا شعيب رهطك لا أنت؛ لكونهم من أهل ديننا؛ ولذلك قال - عليه السلام - في جوابهم:{أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ} أي: من نبي الله.