المعنى على هذا التقدير، ثم قدر تقديمه لإفادة التخصيص، أو يلزم على هذا الغرض عَوْد الضمير على متأخر لفظًا ورتبةً؛ لأن هذا مغتفر في البدل كقولهم: ظرف خالدًا، ولا غرابةَ فيما ذهب إليه السكاكي من هذا الإعراب؛ فقد نَحَا بعض العلماء هذا النحو في قول الله تعالى:{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُو}(االأنبياء: ٣) وأعربوا: {الَّذِينَ ظَلَمُو} بدلًا من واو الجماعة، وقد ارتكب السكاكي هذا الوجه البعيد من الإعراب فيما يكون فيه المسند إليه نكرة لا مسوغ لها؛ ليتوسل به إلى ذلك المسوغ، وهو التخصيص، ولولا ارتكابه لهذا الوجه؛ ل انتفى التخصيص وبقيت الكرة بلا مسوغ، وهو مضطر إلى اعتبار التخصيص في النكرة لأجل صحة الابتداء به، ولا يتأتى ذلك إلا من هذا الطريق، وهو تقدير كون المسند إليه مؤخرًا في الأصل على أنه فاعل معنًى فقط؛ ولذلك لم يلجأ إلى هذا التخريج البعيد في المعرف؛ ل صحة وقوعه مبتدأً بلا حاجة إلى مسوغ، فلا شيوع فيه حتى يحتاج إلى تخصيص.
خلاصة مذهب السكاكي: بتطبيق ما اشترطه لإفادة تقديم المسند إليه على خبر الفعل ل لتخصيص، وما استثناه من هذا الشرط يتبين لنا أن المسند إليه إذا كان نكرة لا مسوغَ للابتداء بها تعين الكلام للتخصيص، وإذا كان معرفةً اسمًا ظاهرًا تعين الكلام للتقوي، وإن كان المسند إليه ضميرًا كان الكلام محتملًا للتخصيص والتقوي، ولا فرقَ في ذلك كله بين أن يكون الكلام مثبتًا أو منفيًا تقدم النفي على المسند إليه أو تأخر.
هذا ملخص مذهب السكاكي الذي يفترض فيمن يريد الكلام بنحو هذا الأسلوب أن يقف قبل النطق مستحضِرًا ما يريد صياغته مقدرًا ما يريد أن ينطق