إذا كان المسند إليه من ألفاظ العموم كلفظي كل وجميع، فتقديمه على النفي لدى البلاغيين يفيد عموم السلب، ويريدون بعموم السلب شمول النفي لكل فرد من أفراد المسند إليه، ويتحقق ذلك بأن يتقدم لفظ العموم على أداة النفي لفظًا ورتبةً مثل قولك: كل طالب لم يرسب، فأداة العموم في المثال المذكور تقدمت على النفي لفظًا وهو ظاهر، ورتبةً لأنها وقعت مبتدأ والجملة المنفية بعدها خبر عنه ومرتبة المبتدأ التقدم على الخبر، فالتركيب حينئذٍ مفيد للعموم. إن الرسوب في المثال المذكور منفي عن جميع الطلاب بغير استثناء، يؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم-: ((كل ذلك لم يكن)) جوابًا عن سؤال ذي اليدين وهو صحابي لُقب بذلك لطولٍ كان في يديه: "أقصرت الصلاة أم نسيتَ يا رسول الله؟ ". ومعنى القول الكريم لم يقع واحد من القصر والنسيان، فالنفي شمل الأمرين جميعًا.
ومما يدل على أن المعنى هكذا ما روي أن ذا اليدين لما سمع إجابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:"بل بعض ذلك قد كان "، ومعلوم أن الثبوت للبعض ينافي النفي عن كل فرض فإذا قال ذو اليدين للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "بل بعض ذلك قد كان" يكون قوله هذا لعلمه أن مراد النبي الكريم نفي كل واحد من الأمرين، ولو لم يكن مراده ذلك ما صح قول ذي اليدين ردًّا عليه.
ومما يدل على أن النفي للأمرين جميعًا ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - من طريق آخر أنه قال مجيبًا ذا اليدين:((لم أنسَ ولم تَقْصُر)) فهذا الخبر إن صح نص صريح في نفي الأمرين جميعًا.