بإشارته. ورأيته قد أمرَّ يده على جبينه ففركه قليلاً والتفت إلي فقرأ في عينيّ معنى الاستزادة والرجاء فتمجد في مجلسه وفتل شاربيه ثم تنحنح وعاد إلى حديثه:
أود إليك يا سيدي أن تعذرني عن متابعة حكايتي فقد بلغت فيها الآن حيث بدأ دوري بالعمل وأنا لا أريد أن أتباهى بأعمالي وإنما يكفيك أن تعلم أن الحظ أسعد إسبانيا بوجودي يومئذ في مدريد ولولاي لكان في تلك المملكة ما كانت المملكة في غنىً عنه. فدنوت بكرسي قليلاً من مقعده وتململت كمن ذهب صبره وقلت: كلي إصغاء إليك يا سعادة السفير. غير أن لي سؤالاً أستفيد جوابه. إنك كنت في مدريد في ذلك العهد فكيف كان ذلك فأنا لا أعهد أن سعادتك تقلدت السفارة في تلك العاصمة؟
فقطب سعادته جبينه وأليس وجهه هيئة الرزانة والوقار وقال: لا لم أكن سفيراً هنالك ولم تكن لي مهمة سياسية قط. فلا توقف علي في السؤال لأن من الأمر سراً أود كتمانه وغنما حسبك أن تعرف أنه كان لإحدى الأوانس الفاتنات دخل في وجودي يومئذ في عاصمة الإسبان.
فأحنيت رأسي احتراماً واعتذرت عن هفوتي بما حضرني ثم قلت وأنا أفرك كفاً بكف.
عفوك يا سيدي فقط قطعت عليك حديثك. فتبسم تبسمة من فهم براعة الطلب فارتحت إلى رضاه وسكت فقال:
هذا ما كان من أمر الملك والملكة: وأما أنا فلما أتاني أن ألفونس مريض وقد كنت أحبه ويحبني ويهفو إلي حين يراني أبرقت إلى باريس إلى أميل جيرولت وشركاه أن يرسلوا إلي أثمن وأجمل لعبة في مخزنهم المشهور وقد وصلتني في اليوم الرابع وهي تمثل فارساً مغربياً متقلداً سيفه ومعتقلاً رمحه وممتطياً هجيناً يتحرك بلولب فيمشي متثاقلاً.
وحملت اللعبة إلى القصر فلما قرأت جلالة الملكة كلمة ضروري على بطاقة زيارتي أمرت فوراً بإدخالي إلى الحجرة المحاذية حجرة الملك الصغير. وكانت سلسلة هابسبورج قد أخذ الحزن مأخذه منها، وتولاها اليأس وساورتها الهواجس