جلست إلى السفير بعد طعام العشاء وقد ملأ كأسي ثم ملأ كأسه من الكونياك اللذين الذي كان قد اعتاده، واتكأ في مقعده مسنداً رأسه على شماله، ومشعلاً في يمناه سيكاراً طيب النكهة كان يرسل دخانه دفعةً إثر دفعة فتفوح منه رائحة ذكية. وكنت صامتاً أنظر إليه محترماً سكوته فلم أشأ أن أبادئه الحديث حتى رأيته قد مد يده إلى الكأس فتجرعها ثم ملأها والتفت إلي وقال:
- من الأسف أن يظل تاريخ أوروبا السري مكتوماً عن الناس لم يدونه الكتاب ولم ينشروه!
فقلت متعجباً: أو لأوروبا إذن تاريخ سري غير معروف؟
فأمال السفير رأسه إلى الوراء، وامتص مصة طويلة من سيكاره ثم نفخ دخانها وقال:
- أو ترتاب في ذلك؟ إن البرنس بسمارك لم ينشر رسالته البرقية التي هاجت الحرب الفرنساوية الألمانية إلا منذ أيام خلت فهو قد خبأها نحواً من عشرين سنة. فالتاريخ السياسي الحديث مملوء حوادث جهلها إبان حدوثها هذا البارون روتر المسكين فبقيت سرية غامضة. أما الصحف فاكتفت بالقشور دون اللباب!
- ولكننا يا سعادة السفير - وكنا في باريس - يجب أن لا ننسى أن الرسالة البرقية يسهل كتمانها. وأما الحوادث الجلى. . .
- رويدك يا سيدي ولا تتعجل في حكمك! أمل يتصل بك مثلاً نبأ المرض الوهمي الذي أصاب ملك إسبانيا في حداثته؟