لا يحتاج أنطون الجميل إلى تعريف موجز كصاحبه, فقد كان رئيساً لتحرير أكبر جريدة في الشرق, وكان له من وراء ذلك مهابة وتجلة يحفظها له الرؤساء الكبار, إذ يحذرون غضبته, وأذكر أن الأستاذ حافظ محمود روى عنه في كتابه (عمالقة الصحافة) أحاديث قال فيها:
"ذات مرة في سنة ١٩٤٠ كان علي ماهر باشا رئيس الوزراء يتحدث في مجلس الشيوخ, وأراد عضو المجلس أنطون الجميل أن يبدي ملاحظة أثناء حديثه, فمد علي ماهر ذراعه في وجه أنطون بإشارة تدل على أنه لا يريد أن يسمع واستاء انطون فانسحب بهدوء من كرسي السكرتارية متجها إلى مجلسه بدار الأهرام, فأحس علي ماهر أن الرجل قد غضب, فلم يكتف باسترضائه تليفونيا, أو أن يرسل إليه رسولاً, بل ذهب إليه بجريدة الأهرام مع جميع أعضاء مجلس الوزراء ليبدي اعتذاره, يقول الأستاذ حافظ محمود: وقد سألت أنطون: ماذا كان سيفعل لو لم يعتذر له رئيس الوزراء على هذا النحو, فقال: لا شيء كنت سأمحو علانية جلسة مجلس الشيوخ التي تكلم فيها علي ماهر فلا أنشر شيئاً عنها بجريدة الأهرام".
هذه الكبرياء المحببة أمام الرؤساء يزينها تواضع جم أمام المغمورين من الشباب، حدثني الأستاذ محمد السيد شحاته, وكان مدرساً بالمرحلة الأولى الأولية (حينئذ) أنه جمع من شعره الذي كان ينشره في الأهرام بتوقيع (شاعر البراري) قدراً يسيرا في كتاب, وذهب خجلا إلى أنطون الجميل ليكتب مقدمته, فقابله مرحبا مبتهجاً. ونشر مقدمة حافلة عنه في جريدة الأهرام قبل أن تتصدر بها المجموعة الشعرية, وهذا ما عجب له الأستاذ محمد عبد الغني حسن حيث قال لشاعر البراري: إنه يعرف نفراً من كبار شعراء مصر قد توسلوا للجميل كي يكتب مقدمة فاعتذر! أضيف إلى ذلك نظرة حانية له حيث كان يحتفل بنتاج الصغار من الناشئين ليظهر في أكبر صحيفة يومية, فقد قال الأستاذ محمد الحناوي وكان يشرف على صحيفة الآداب والعلوم والفنون بالأهرام, إن الجميل قد قال: إذا جاءتك قصيدة لشاعر مغمور, ورأيت في أبياتها ما يصلح للنشر, فاختر منها ودع المشهورين, لأن الناشئ سيفرح كثيراً حين يجد اسمه مقرونا بشعره في الأهرام, وذلك أكبر دافع لخلق جديد! لو أردت أن أكتب جميع خواطري عن هذا الإنسان ما اتسع المجال, ولكن فيما أوجزته ما يقدمه خير تقديم!