فلما مثل الجنرال بين يدي الأب أوليفا والملك الصبي قال لهما إن الجيش تظاهر بالاستياء لغيبة الملك فخشيت الملكة حدوث أمر ذي بال فأنفذته إلى القصر ليستصحب ألفونس الثالث عشر إلى ساحة الاستعراض. وكان الجيش في تلك الأيام الآمر الناهي في إسبانيا فلم يخامر الأب أوليفا ريبٌ في كلام الجنرال فهمّ إلى قبعة الملك فوضعها له على رأسه وأوعز إليه بالذهاب فوراً. وكان ألفونس في السابعة من عمره فقفز درج القصر قفزاً شأن الصغار إذا دعوا إلى ما يحبون، وركب في العربة المقفلة وإلى جانبه الجنرال اسبينوزا وأمامهما الضابط الآخر.
ولما عادت الملكة إلى البلاط على أثر الاستعراض استقدمت ولدها إليها فهب الأب أوليفا مرتبكاً وقص عليها ما كان. ففهمت جلالتها أن ألفونس إنما انتشل انتشالاً من قصره لأن الجيش لم يتظاهر بالاستياء المزعوم فهي لم تستقدمه إلى الحفلة قط. تصور يا سيدي إذن الألم الذي أحست به الملكة كريستيانا سليلة هابسبورج تلك المرأة التي كانت تخبئ تحت
عظمة الملك وأبهة التاج حنان الأم الرؤوف، وشغفت الأرملة ببنيها. إنني تشرفت بمعرفتها وقوبلت مراراً في مخدعها الملكي فما ظننت قط أن تلك الملاحة الخلابة، وذلك الجلال الباهر يلينان للحزن الوالدي حتى حده الأقصى. وكانت جلالتها حينئذ في موقفٍ حرج فاستشارت السنيور جويستالا فأشار بوجوب كتمان الأمر كل الكتمان مخافةً أن يغتنم الكارلوسيون تلك السانحة، أو يستفيد الجمهوريون من تلك الفرصة فتسود الفوضى، وتكون في المملكة من أقصاها إلى أقصاها ثورة لا تحمد عاقبتها. إن مخافة هذه الفوضى خلقت ذلك المرض الوهمي الذي أشرت إليه فزعمت الملكة أن ألفونس أصيب فجأة بداء عقيم، وإنه حجر عليه في غرفته، ورددت الصحف هذه المزاعم فعكف الشعب على الصلاة وبكر إلى الكنائس يتشفع القديس يعقوب!
* * *
وتوقف السفير هنيهةً عن حديثه فتناول كأسه وابتلع ما فيها دفعة واحدة، وأشعل سيكاراً جديداً وأشار إلي بأن أشرب فامتصصت مصةً من كأسي عملاً