ومن المطارحات الشعرية النادرة ما عارض به أحمد شوقي قصيدة الحصري الذائعة:
يا ليل الصب متى غده ... أقيام الساعة موعده؟
حيث ما كادت الزهور تنشر معارضة شوقي:
مضناك جفاه مرقده ... وبكاه ورحّم عوده
حتى انبرت قصائد أخرى على صفحات الزهور قالها إسماعيل صبري وولي الدين يكن ونسيب أرسلان, ودواوينهم مشتهرة فلا مدعاة للاستشهاد. وقد ألِف شعراء الزهور أن يقوموا بمثل هذه المطارحات في صفحات كثيرة بالمجلة, بل إن الجميل أخذ يبحث عن طرائف هذه المطارحات لينشر منها ما لم يسبق نشره, فقد نظم محمود سامي البارودي قبل خمسة عشر عاما من إنشاء الزهور أبياتا خاطب فيها شكيب أرسلان لمناسبة استشهاد الأمير ببعض شعر البارودي, وقال فيها:
أشدت بذكرى بادئاً ومعقبا ... وأمسكت لم أنبس ولم أتقدم
وما ذلك ضنا بالوداد على امرئ ... حباني به, لكن تهيبت مقدمي
فطار شكيب إعجاباً بشعر البارودي ورد عليه بقصيدة طويلة قال فيها:
ألا كل يوم فيك وجد كأنها طوي ... جانحا مني على نار ميسم
حلفت بما بين الحطيم وزمزم ... وبالروضة الزهرا, أليّة مقسم
لألفيت عندي دوس مشتجر القنا ... وخوضي في حوض من الطعن مفعم
أقلّ بقلبي في المواقف هيبة ... وأهون من ذلك المقام المعظم
وامتدت المطارحات مثنى وثلاث ورباع, ونشرها الجميل جميعها في مجلة الزهور, ثم أعاد نشرها في المختارات بالقسم الأخير.
أما الذي طرب له القراء طربا شديدا فمطارحات صبري وشوقي وحافظ, حيث نظم صبري قصيدة مطلعها:
لو أن أطلال المنازل تنطق ... ما ارتد حرانُ الجوائح شيق
فجاوبه شوقي بقصيدة مطلعها:
أما العتاب فبالأحبة أخلق ... والحب يصلح بالعتاب ويصدق
وقفى حافظ بثالثة قال في مطلعها:
سكن الظلام وبات قلبك يخفق ... وسطا عليك حنين هم مقلق
وقد نشرت جميعها بمختارات الزهور، كما أنها مسجلة بدواوين هؤلاء.
هذا الاهتمام العريق في نفس الجميل بلطائف المطارحات يدل على روح شاعرة, تجلت في نثره.
إذ كان شاعراً دون قافية أو زن, ومقالاته بالزهور أكبر شاهد على ما أقرر, وما بي أن أستشهد فأطيل.
مطارحات نثرية ..
ليست مطارحات بالمعنى الدقيق, ولكنها مناقشات جادة, دارت على صفحات المجلة في مسائل مختلفة ولعل قضية المرأة كانت أهم هذه المسائل, لأن وفاة قاسم أمين قد أعقبت جدلاً امتد إلى سنوات حول ما أثاره في كتابيه تحرير المرأة والمرأة الجديدة, وكان من اللافت للنظر أن بعض الفضليات من الكاتبات لم تشأ أن تتجاوز دعوة قاسم في التربية والتعليم إلى ما فهمه المتسرعون والمتسرعات من الدعوة إلى التبرج والاختلاط ومحاكاة الغربية في السهرات الحافلة والرقص اللاهي, وهذا ما حذرت منه فضليات الكاتبات على صفحات الزهور, وقد ابتدأت به الآنسة الأدبية (هدى كيورك) بالعدد الثامن (أكتوبر سنة ١٩١٠) حيث قالت: إن الذي فهمه نساء اليوم من التقدم العصري هو (المودة) المتحضرة في مشابهة الغربيات ملبسا وسلوكا, فالفتاة لا تقنع بحياة والدها المتواضع بل تطالبه بما فوق قدرته, واستنزفت عرق جبينه لتصبح مترفة مرفهة، تقول الكاتبة الفضلى عن هذه (المتمدنة):