ففي صبيحة العيد وردت على الملكة رسالة مكتوبة على غلافها لفظة مستعجل ومختومة بطابع البريد من مدينة بامبلون. وإنك لتعلم أن فريقاً من الشعب الإسباني كان قد بنى آماله على موت ألفونس الثاني عشر بدون عقب ذكر ليولي على العرش الدون كارلوس. فلما ولد ألفونس الثالث عشر لم تذهب تلك الآمال لأن الدون كارلوس ما فتئ يطالب بالعرش لأسبابٍ شتى لا أرى فائدةً من ذكرها، ومثلك كاتباً صحافياً لا يجهلها. أما بامبلون هذه - وقد دلتني أمائر وجهك على أن ذكرها أثر فيك تأثيره في الملكة يومئذ - فهي مقر الكارلوسيين ووسط هذه الشيعة السياسية! فلما فضت الملكة تلك الرسالة وجدتها خلواً من التوقيع ولكنها قرأت فيها أن مؤامرة سرية قررت اغتيال الملك الصغير وعينت موعداً
للفتك به في يوم عيد القديس يعقوب، ومكاناً لارتكاب الجناية ساحة الاستعراض العسكري في ذلك العيد. فأطلعت الملكة الأب أوليفا على الرسالة فرأيا معاً إبقاء الملك في القصر وخروج البرنسس دزاستوري شقيقته البكر إلى ساحة الاستعراض بالنيابة عنه. أما ألفونس فاستاء كثيراً فألهاه مربيه بلعبةٍ تمثل فيلقاً من الجند مصطفاً في شبه ساحةٍ للقتال. ثم كان موعد الاحتفال فزايلت الملكة القصر إلى حيث الجيش والشعب ولازم الأب أوليفا تلميذه الصغير في كل صباح. ولكنه ما انقضت ساعة على ذلك حتى دخلت ساحة القصر عربة مقفلة تقل ضابطاً لابساً لباس جنرال إسباني وآخر كان يظهر بصفة أركان حرب. وأعلن الأول نفسه باسم الجنرال اسبينوزا رسول الملكة إلى الملك فأدخله الحجاب تواً إلى حيث ألفونس الصغير ومربيه.
وقطع السفير حديثه هنيهةً فقلت مستفهماً: عفوك يا مولاي وهل كان يوجد جنرال إسباني بهذا الاسم؟ فمد السفير يده إلى شاربيه ففتلهما بين السبابة والباهم وقد صعدهما إلى أعالي وجنتيه ثم قال:
نعم! غير أنه كان يقود في ذلك العهد الفرقة المعسكرة في برشلونة. مهلاً رويداً فإنك ستعلم كل شيء.