للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال الأسد: إنّما أقدِرُ على منعك من أهلِ الأرض، وأمّا أهلُ السماءِ فلا سبيلَ لي إليهم، فقال عبد الملك: وعَظْتَني وأحْسَنْت، انْصرِفْ ورَضِيَ بالقَضاء. . .

ولمناسبة الهربِ من الطاعونِ نُوردُ هنا ما أورَدْنا نظيرَه في قولنا على التوكُّل، وهو أنَّ عمر ابنَ الخطّاب رضوانُ الله عليه لما بلَغَه أنَّ الطاعونَ وقعَ بالشَّام فانصرفَ بالناس: قال له أبو عبيدةَ بنُ الجراح: أفِراراً من قَدَرِ اللهِ يا أميرَ المؤمنين؟ فقال عمرُ: لو غيرُك قالَها يا أبا عبيدة! نَعَمْ نَفِرُّ من قَدَرِ اللهِ إلى قدرِ الله، أرأيْتَ لو أنَّ لك إبِلاً هَبَطْتَ بها وادِياً له جِهتان إحداهُما خصيبةٌ والأخرى جديبة، أليسَ لو رعَيْتَ في الخصيبة رعيتَها بقدرِ اللهِ، ولو رعَيْتَ الجديبةَ رعيتَها بقدرِ الله؟ وكان عبد الرحمن بن عوف غائِباً فأقبل، فقال: عندي في هذا عِلْمٌ سمعتُه من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا سَمِعْتُم به - بالطاعون - في أرْضٍ فلا تَقْدَموا عليها، وإذا وَقَع في أرضٍ وأنتم بها فلا تَخرُجوا فِراراً منه)، فحَمِدَ اللهَ عمرُ ثُمَّ انصرفَ بالناس. . .

وقال المتنبّي:

نُعِدُّ المَشْرَفِيَّةَ والعَوَالي ... وتَقْتُلُنا المَنونُ بِلا قِتالِ

ونَرْتَبِطُ السَّوابِقَ مُقْرَباتٍ ... وَمَا يُنْجينَ من خَبَبِ اللّيالي

وَمَنْ لَمْ يَعْشَقِ الدُّنيا قَديماً؟ ... ولكِنْ لا سبيلَ إلى الوِصالِ

المَشْرفيّة: السيوف - والعوالي: الرّماح، والمَنون: الموت، والسَّوابق جمعُ سابقٍ وسابِقةٍ، والمُقْربات من الخيل هي الكِرامُ التي تُرْتَبط لكرامتِها على أصحابها أو لِفَرْطِ الحاجةِ إليها والخبب: عَدْوٌ لا يَسْتَفرغُ الجَهْدَ، يقول المتنبي: نحن نُعِدُّ السيوفَ والرماحَ لمنازلة الأعداء ومُدافعة الأقران؛ والموت يخترمُ نفوسَنا